إدريس عدار
في صيف الدعوة ضيّعت جماعة العدل والإحسان “لبن” السياسة. وفي خريف “القومة” هربت منها صفقة “الخريف العربي”، الذي أوصلت جماعات الإسلاميين إلى الحكم والحكومات..لما تبخّر حلم “الخلافة” المحمولة على أجنحة شياطين “الجهاديين” تاهت قيادتها واستسلم زعيمها لمصيره إلى أن توفاه الله…لهذا لا تعثر لدى قادتها على تحليل دقيق، وعندما تنتقل من السياسة إلى العقيدة تسقط في مطب “القدرية”، التي تسلم الأمر للاستكانة ولا تبحث عن حل.
ويا ليث الجماعة حوّلت حالة الطوارئ الصحية والحجر الصحي إلى اعتكاف كما تسميه وارتاحت وأراحت، لكنها “قالت” فـ”أكثرت”، وكانت مثل التي “نقضت غزلها من بعد قوة أنكاثا”، كما تحدث القرآن الكريم، بينما أعلنت بداية انخراطها في المشروع الوحيد أمام المغاربة قصد النجاة. مشروع مواجهة جائحة الفيروس التاجي المتجدد، أطلقت العنان لأبنائها وقادتها للتحرش من كل حدب وصوب. تحرشات لا تنتمي لأي مشروع سوى التشكيك في المجهودات التي اتخذتها المؤسسات.
تقتضي الرجولة السياسية تجميد الخصومة السياسية أو تخفيض منسوبها زمن كورونا. زمن لا أحد يمتلك مصيره ولا أحد يعلم مديات الجائحة، التي تفتك بالجميع وتنتقل بين الجميع ولا توفّر أحدا، حيث يوزع فيروس كورونا الموت بالقسط بين الناس ولا يختار من بينهم من يمرض ومن يغادر الحياة الدنيا، وبالتالي كيفما كان مشروعك السياسي والديني فلن يعلو على مشروع النجاة الجماعية من مرض حيّر العالم.
قديما قال المغاربة “إذا لم تنفعنا بشيء فساعدنا بسكوتك”. ففي الوقت الذي شكّل فيه المغاربة قاطبة جبهة موحدة ضد فيروس كورونا، واختارت طليعة من المجتمع أن تكون في الصف الأمامي للمواجهة، وبقي الآخرون في بيوتهم كنوع من “المقاومة الصامتة” كما أسميها، وفي وقت غير مطلوب منا أي صنف من التضحية سوى ادخار ما يقيم أودنا ولو على سبيل اقتصاد الندرة وإحكام مفتاح البيت ولا نخرج إلا للضرورة القصوى، اختار قادة الجماعة “الجهاد الالكتروني” ضد الجميع.
وبما أن الجماعة عقائديا تنتمي للسلفية، رغم اختفاء زعيمها تحت جلباب الصوفية، فإنها غارقة في “القدرية” حيث اعتبرت “فيروس كورونا” من جند الله يعاقب به العصاة من البشر، وهو تفسير من أتفه ما قرأت في تاريخ العقائد، لأنه لا أحد يعلم بما يعاقب به الله عباده، ولم يتحدث أحد منهم عن التطور الطبيعي للفيروسات واكتسابه المناعة من الطبيعة مثلما تكتسب الخلية الآدمية المناعة من مواجهة الفيروسات. لا حضور للعلم ولكن تلبيس كل شيء إلى الخالق دون عدة لاهوتية.
مقابل الارتماء في أحضان القدرية قام قادة الجماعة بتبخيس عمل جنود الجهاد العملي على أرض الواقع، من هيئة أطباء وممرضين وأطر إسعافية وعناصر أمن ودرك وقوات عمومية ورجال سلطة. كل هؤلاء بشر مثلنا وقد يصدر من بعضهم أخطاء. ورأينا كيف تمت معاقبة من أخطأ منهم وخرج عن القانون أثناء تنفيذ قانون الطوارئ الصحية. حالة هنا أو هناك لا تعني سياسة عامة للدولة.
لكن “المجاهدون الرقميون” من قادة الجماعة تصيدوا بضع حالات بسيطة ليعتبروها مشروعا للسلطة. فتقصير طبيب في مكان ما لا يعني أن الخطة العلاجية لجائحة كورونا فاشلة. لقد شهد أجانب قبل المغاربة بأنهم تلقوا عناية ورعاية جيدة. سيدة فرنسية بأكادير ومتعافى فرنسي أيضا بمراكش ناهيك عن المتعافين المغاربة الذين غادروا المستشفيات. كل هؤلاء أقروا بوجود مواجهة طبية لفيروس كورونا تنسجم مع المعايير الدولية. وعلى ذكر هذه المعايير فإن من يرى بعين “البومة” لن ينظر إلى تخلي دول كبرى تتباهى بمنظوماتها الصحية عن المرضى. دول فضلت الاقتصاد على الإنسان.
من تتهمهم الجماعة بالتقصير أدوا الثمن غاليا موتا وإصابة. جيش الوزرات البيضاء فقد طبيبين. هم شهداء عند الله لكن الجماعة لها مفهوم مختلف للشهادة والاستشهاد. ورجال من السلطة كثر أصيبوا أثناء أداء الواجب الوطني. وإذا كان الشيء بالشيء يُذكر: أين هي قوافل الجماعة للتوعية بضرورة الالتزام بالطوارئ الصحية؟ أين تنظيمهم الصحي؟ ماذا قدمت من خدمات؟
قادة الجماعة يتوضؤون ويعيدون الوضوء. عاكفون على هواتفهم النقالة ولوحتهم الذكية يمارسون “الجهاد الالكتروني”. يبحثون عن “الشهادة الافتراضية”. لكن من أجل السياسة لا يضرها أن تكون شاهد زور في حق أناس لن يرحبوا شيئا بعد أن تنتهي المعركة. أطباء وممرضون ورجال سلطة يحرصون على تنفيذ قانون الطوارئ. ما هو ربحهم السياسي من وراء هذا الجهد؟ لاشيء. سيربحون وطنا دافعوا عنه دون قصد سياسي. سيربحون حب الناس.
قادة الجماعة العاكفون على هواتفهم المعتكفون على “كعب الغزال وكؤوس الشاي”، خرجوا جملة يبحثون عن الأقنعة الواقية. لم يعثروا عليها. لم تكن لديهم ضرورة قصوى حتى ظهرت “الكمامات”. بحثوا عنها ولم يعثروا عليها. هذا شأن حسن بناجح وعمر إحرشان وحتى الناطق الرسمي. لأن الكمامات مفقودة في بعض مواقع التوزيع هذا يعني أننا أمام الكارثة. أي كارثة أكثر من خروجكم دون سبب سوى البحث عن ثغرة تستغلونها سياسيا؟
لا ننكر أن الأقنعة الواقية غير موجودة في بعض مواقع التوزيع. لكن ما تفسير ذلك؟ ينتج المغرب حوالي ثلاثة ملايين كمامة يوميا. وهذا رقم جيد. لكن الثلاثة ملايين لا توزع منفردة ولكن مائة في العلبة. ثلاثة ملايين هي 30 ألف علبة. ولا يمكن انتظار توفير العدد الكافي لبدء التوزيع.
الجماعة التي تحب “الأمريكان” حد انتظار مددهم أثناء صفقات الخريف العربي، لا تريد أن تعرف أن ترامب وقف عاجزا عن توفير الكمامات للأمريكيين؟ وأن فرنسا وإسبانيا وإيطاليا لم توفر الكمامات الكافية لشعوبها؟ أما في المغرب فهناك مجهود جبار لتوفير العدد الكافي من الكمامات ناهيك عن الشروع في صناعة أجهزة تنفس صناعية لفائدة المصابين بكوفيد 19.
الرجولة السياسية تقتضي توفير الخصومة إلى ما بعد كورونا. والأخلاق السياسية تقتضي أن أفتخر بأبناء بلدي وقدرتهم على الاختراع والإبداع حتى لو اختلفت جذريا مع النظام السياسي. لكن الجماعة تنظر إلى المجتمع على أنه مجتمع فتنة. وهو تصور أخطر من تصنيف المجتمع على أنه جاهلي، الم يقل ربنا جل وعلا “الفتنة أشد من القتل”؟
وككل الإسلاميين تعتمد الجماعة “حساب الخشيبات”، لهذا بخّست قضية تعويض فاقدي الشغل. لن أدعي أن ما سيحصلون عليه جيد. لكن أين غاب عن الجماعة مفهوم اقتصاد الندرة وهو مفهوم نبوي؟ تعتقد الجماعة أن العملية سهلة بل هي مكلفة تحتاج إلى خبراء في الاقتصاد ومهندسي معلوميات وبرامج قصد تحقيقها.
ومثلما تنظر إلى كافة القضايا نظرت إلى العفو الملكي عن السجناء. هو عفو خاص للتخفيف عن السجون وتمكينها من التناغم مع إجراءات “التباعد الاجتماعي”. لكن تقنيا هو يهم سجناء مخصوصين. التركيز على حالة المرأة التي بثت فيديو تقول إن قاطع يدها خرج في العفو مغالطة من أصلها. وكان جواب الوزارة كافيا. الذين يخرجون في العفو هم مجرمون يقضون عقوبات وليسوا أبرياء. لكن يخضعون لمقاربة تعتمد قضاء ثلثي العقوبة وحسن السلوك. هذا النموذج جعلت منه الجماعة مشجبا تعلق عليه فشلها في تدبير الجائحة. حيث لا هي في العير ولا هي في النفير.
المصدر : https://dinpresse.net/?p=7763