الطلاق والصمت القاتل لما تغيب العلاقة الحميمية في الزواج

27 نوفمبر 2025

كريمة العزيز

هناك قضايا أساسية تُعدّ من ركائز الحياة الزوجية والإنسانية لكنها محاطة بجدار من الصمت والخجل، نتحدث كثيرًا عن نسب الطلاق لكننا نادرًا ما نتساءل عن الأسباب الحقيقية وراءها، قديمًا كانت المرأة تتزوج دون أن تعرف زوجها وتدخل بيت الزوجية بلا أي تمهيد أو تربية جنسية، حتى في المجالس النسائية كانت الفتاة تُقصى من النقاش والاستماع، فكيف لها أن تعرف ما تحتاجه وما لا تحتاجه، وكيف لها أن تعبّر عن رغباتها ومخاوفها إذا كان مجرد الحديث عنها قد يعرّضها للاتهام بأنها ليست بريئة أو صاحبة تجارب.

ولأن الطلاق كان يُعدّ عيبًا ولأن المرأة لم تكن تملك شيئًا إذا غادرت بيت زوجها غالبًا ما كانت تصبر على كل شيء بما في ذلك العنف الجسدي والنفسي والجنسي خوفًا من نظرة المجتمع، لكن هل الصبر على الألم هو الحل حقًا؟

مع التطور والتعليم وخروج المرأة إلى العمل تغيّر الكثير، اكتسبت المرأة استقلالًا ماديًا منحها الجرأة على التفكير واتخاذ القرار ومع ذلك يبقى قرار الطلاق صعبًا في مجتمع يحكم على المرأة أكثر مما يحكم على الرجل حتى لو كان القرار مبنيًا على معاناة حقيقية، وتكمن المشكلة في أغلب الحالات في غياب العلاقة الحميمية بين الزوجين، فالعلاقة الجنسية ليست مجرد متعة عابرة بل هي عنصر أساسي لبناء المودة والرحمة وللحفاظ على التواصل النفسي والعاطفي، وعندما تختفي هذه العلاقة تتراجع المودة وتتلاشى السكينة وتتحول الحياة المشتركة إلى عبء ثقيل بدل أن تكون مصدر أمان ودفء، في زمن الإنترنت والانفتاح أصبحت النساء أكثر وعيًا بحقوقهن وأكثر قدرة على فهم أجسادهن ونفسياتهن، لكن المجتمع ما زال يرفض الاعتراف بأن المشاكل الجنسية والانفصال الحميمي هي من أهم أسباب الطلاق.

هناك أيضًا عوامل أخرى تُفاقم الأزمة مثل اختلاف التوجهات والهويات الجنسية، البرود العاطفي، التنافر الحميمي، وانعدام الرغبة، هذه الأمور غالبًا لا تُناقش قبل الزواج فيدخل الطرفان علاقة محكومة بالفشل لأن الهدف كان تجنّب كلام الناس وليس بناء علاقة صحية تقوم على التفاهم والصراحة، فلماذا نتمسك بزواج ميت؟

لماذا يعيش زوجان تحت سقف واحد بلا حب بلا علاقة حميمية فقط خوفًا من المجتمع؟ أليس الطلاق في مثل هذه الحالات أكثر رحمة وإنسانية من الاستمرار في علاقة تُنتج الكراهية والعنف النفسي والجسدي؟

الملاحظ هنا أنه رغم كل التحولات ما زالت كثير من النساء المتعلمات يعشن جحيمًا صامتًا والمجتمع يطلب منهن أن تتحملن حتى وإن كنّ ينهَرن من الداخل، فهل تكمن المشكلة في القوانين التي لا تنصف المرأة بعد الطلاق أم في خوفها من ألا تنال ما تستحقه فعلًا؟

إذا كان الله قد أحلّ الطلاق رحمة فلماذا نحوله نحن إلى وصمة؟ ولماذا نهتم بالأرقام ولا نبحث عن الأسباب الحقيقية مع أن إنهاء علاقة خالية من المودة والرحمة قد يكون الطريق الوحيد لاستعادة الصحة النفسية للطرفين وحماية الأبناء؟ فهل نخشى الطلاق حقًا أم نخشى الاعتراف بأن بعض الزيجات لا يمكن إنقاذها مهما حاولنا وأن العلاقة الحميمية بين الزوجين هي الأساس الذي ينهض عليه كل استقرار حقيقي؟

التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد.

“الإسلام الإخواني”: النهاية الكبرى

يفتح القرار التنفيذي الذي أصدره أخيرا الرئيس الأميركي “دونالد ترامب”، والقاضي ببدء مسار تصنيف فروع من جماعة “الإخوان المسلمين” كمنظمات إرهابية، نافذة واسعة على مرحلة تاريخية جديدة يتجاوز أثرها حدود الجغرافيا الأميركية نحو الخريطة الفكرية والسياسية للعالم الإسلامي بأكمله. وحين تصبح إحدى أقدم الحركات الإسلامية الحديثة موضع مراجعة قانونية وأمنية بهذا المستوى من الجدية، فإن […]

استطلاع رأي

هل أعجبك التصميم الجديد للموقع ؟

Loading...