2 سبتمبر 2025 / 22:24

الطابوهات المجتمعية: التربية الجنسية نموذجا

كريمة العزيز

الجنس ليس مجرد فعل جسدي، بل هو منظومة متكاملة تتداخل مع كل تفاصيل حياتنا الاجتماعية والدينية والثقافية والنفسية والبيولوجية. هو لغة الجسد، والتعبير عن الرغبات، والارتباط بالعلاقات الإنسانية، ومرآة للهوية الفردية والمجتمعية، وحتى مرجع لحكمنا الأخلاقي والقانوني.

بالرغم من ذلك، ما يزال التعامل مع الجنس في مجتمعاتنا يراوح بين الطابو والفضيحة، وكأن مجرد التفكير فيه خطيئة أو تهديد للأعراف.

هل يمكن أن نفصل حياتنا اليومية عن هذا الدينامو الذي يحرك مشاعرنا وقراراتنا وعلاقاتنا؟ في الأسابيع الأخيرة اهتزت مواقع التواصل الاجتماعي بسلسلة من الحوادث التي تضع الجنس في قلب النقاش امرأة مطلقة روت تفاصيل حياتها الزوجية فتعرضت للهجوم بحجة أنها جرحت ذكورية زوجها، أب تورط في جريمة زنا محارم مع ابنته وأنجب منها ستة أطفال في مأساة تكشف الجانب المظلم للصمت والإنكار؛ وسيدة أخرى شُهر بها قبل أن تقول المحكمة كلمتها، وكأن مجرد اقتران القضية بالبعد الجنسي يكفي لإدانة الشخص اجتماعياً.

هذه الوقائع المختلفة تشترك في خيط واحد هو غياب التربية الجنسية. فلو كانت لدينا ثقافة جنسية واضحة لما التبست المفاهيم بين الحرية والمسؤولية، ولا تحولت المعاشرة الزوجية إلى موضوع مسكوت عنه، ولا بقي زنا المحارم مجرد جريمة فردية بدل أن يُقرأ في سياق علمي نفسي واجتماعي.

لماذا نخاف من إدراج التربية الجنسية في مدارسنا وجامعاتنا؟ هل مجرد ذكرها يعني المساس بالدين او تقويض الأخلاق؟ أليس من الأفضل أن يتعلم أبناؤنا وبناتنا لغة الجسد وأسُس التواصل الجنسي السليم وطرق حماية أنفسهم بدل أن يكتشفوا كل ذلك بطرق مؤذية أو منحرفة؟

علم الجنس ليس ترفاً ولا دعوة إلى الانحلال، بل علم يجمع بين التحليل النفسي والمعرفة الطبية وفهم الخلفيات الاجتماعية والثقافية، وهو أداة وقاية وعلاج معاً، ومثلما نكوّن أطباء عامّين ومهندسين وقضاة، ألا يجدر بنا أن نكوّن مختصين في علم الجنس قادرين على مواكبة هذا الجانب الحساس من حياتنا؟

لعل أسوأ ما نفعله اليوم هو أن نحاكم الناس اجتماعياً قبل أن نفهمهم، وأن ندين السلوك قبل أن نبحث عن أسبابه. ألسنا في حاجة إلى شجاعة جماعية تجعلنا نتعامل مع الجنس كما نتعامل مع أي موضوع آخر؟ ألسنا في حاجة إلى الاعتراف بأن النشوة الجنسية ليست عيباً بل طاقة تُمكّن الإنسان من العيش والإنتاج والراحة النفسية؟ ألا يستحق مجتمعنا أن يواجه الطابو الجنسي بوعي ومسؤولية بدل السكوت والخوف؟