بقلم : محمد علي لعموري
منذ مدة، بدأ الملك محمد السادس يتحرك في القارة السمراء، افريقيا، للتمهيد لفتح أسواق واعدة بها، والعودة بقوة إلى الحضن الافريقي الذي غاب عنه لسنوات في عهد الملك الراحل بسبب أزمة الصحراء المغربية، وذلك بملء مقعده الفارغ كعضو بالاتحاد الافريقي.
قبلها، كانت زيارة جلالته لعدد من الدول الافريقية، وكانت خطبه وتصريحاته وقتها تروم تنبيه دول القارة الافريقية على أن القرن الحالي، إما أن تنطلق فيه افريقيا للخروج من التبعية والاستغلال الغربي، وإما أن تظل للأبد قبلة للأطماع الأجنبية خاصة الاستعمار القديم الذي مازال يبسط سلطانه على ثروات تلك الدول الافريقية الغنية بشتى أنواع المعادن النفيسة..
كان مخطط الدولة المغربية، إيقاظ الهمم، وزحزحة الخمول الموروث من عهد الاستعمار، حتى تأخذ افريقيا مبادرتها بيدها لتتمكن من تخقيق الاستقلال الاقتصادي الذي لم يتحقق يوما.
وقتها، انزعجت فرنسا، واعتبرت تحركات الملك غير مقبولة، فكيف لشريك وحليف استراتيجي، كان إلى حدود الأمس القريب، مستعمرة اسبانو-فرنسية، أن يكون هو الموقظ لتلك الدول الغارقة في النزاعات والانقلابات العسكرية، والحروب الأهلية من كل هذا السبات الذي يبقيها على وضع الستاتيكو المرسوم من طرف الدول الطامعة المستفيدة منه لنهب الثروات وشراء المواد الأولية بأبخس الاثمان ؟!
كان رد فرنسا قرصة أذن، حيث جردت وزير خارجية المغرب وقتها السيد صلاح الدين مزوار من ملابسه في إطار التفتيش داخل المطار الفرنسي، وعومل كما يعامل المشتبه بهم كذا ! ولم تكتف فرنسا وقتها بهذا التصرف المهين، بل حركت قضية حقوقية ضد مدير المخابرات المغربية السيد عبد اللطيف الحموشي من طرف القضاء الفرنسي باستدعاء هذا الأخير، وكان متواجدا في السفارة المغربية بباريس، وذلك للمثول أمام القضاء الفرنسي بتهمة خرق حق من حقوق أحد المغاربة الذي تجنس بالجنسية الفرنسية، واستعملته المخابرات الفرنسية كورقة حقوقية للضغط على المغرب كذا !
كان رد المغرب فوريا ، بوقف كافة أشكال التعاون القضائي بين المغرب وفرنسا، واستدعاء السفير المغربي للتشاور.
وحتى يعلم المسؤولون الفرنسيون حجم ما اقترفوه في حق المغرب والمسؤولين المغاربة، حجبت عنهم معلومة استخباراتية بشأن الضربة الارهابية التي تعرضت لها فرنسا لاحقا، وكان ما كان مما تسبب في خسائر في الأرواح.
لكن المغرب سيتدخل استخباراتيا هذه المرة ليدلهم على عنصر خطير كان ممن نفذوا تلك العملية الارهابية وكان ينوي القيام بالمزيد، لولا أن المخابرات المغربية كان لها علم بمكان تواجده فتم القبض عليه من طرف السلطات الفرنسية.
حينها سيصرح وزير داخلية فرنسي سابق، أن التوتر السياسي مع المغرب كلف فرنسا خسائر في الأرواح، مما جعل المسؤولين الفرنسيين يعترفون للمغرب بأفضاله ودوره المحوري في مكافحة الإرهاب، توج بعدها بمنح وسام استحقاق للسيد الحموشي على مجهوداته في انقاذ فرنسا من حمام دم جديد، سبحان الله ! فرنسا التي اتهمت السيد الحموشي في وقت قريب بارتكاب جريمة انتهاك حقوق مواطن فرنسي، هي التي تكرمه وتستدعيه عرفانا منها له كنوع من رد الجميل !
بعدها، وفي مؤتمر حول المناخ الذي أقيم بفرنسا، في عهد الرئيس فرونسوا هولاند، همس هذا الأخير ذات لحظة في أذن الأمين العام للأمم المتحدة السابق بان كي مون عند وصول جلالة الملك إلى القمة ، وعندما كان رئيس الدولة الفرنسية يهم لاستقبال جلالته، بأنه “المغرب الأكثر أهمية”.
فرنسا، تعرف كيف تحافظ على قلاع مستعمراتها القديمة، وتفعل ذلك بنوع من التعالي مع العديد من الدول الافريقية، لكنها تلعب ورقة الضغط مع المغرب بابتزازه في كل مرة تريد الظفر بصفقة كبيرة رابحة اقتصاديا، ولهذا تعد قضية الصحراء بالنسبة لها ورقة كبيرة رابحة سياسيا وبقرة حلوب تعتمدها للضغط على المغرب، وذلك بالحيلولة دون الاعتراف من طرفها بأن هذا النزاع المفتعل قد طال أمده ويحتاج إلى توضيح الرؤى والمواقف لإيجاد حل نهائي له.
اليوم وبعد الاعتراف الأمريكي بمغربية الصحراء، وانتزاع اعتراف مماثل من طرف اسبانيا، وتليين موقف ألمانيا بعد الأزمتين مع كل من الدولة الاسبانية بسبب قضية بن بطوش، والدولة الألمانية التي استنكرت الاعتراف الأمريكي بمغربية الصحراء، واستدعت مجلس الأمن لجلسة طارئة للبث في الموضوع دون أن يتحقق لها ما تريد، قلت بعد هذه الانتصارات المحققة من طرف الدولة المغربية، وما تلى ذلك من رسائل وجهها جلالته لفرنسا لشكل مبطن للخروج من المنطقة الرمادية، وتوضيح موقفها بشأن قضية الصحراء، خاصة في خطاب جلالة الملك بمناسبة ذكرى ثورة الملك والشعب، بدأ الضرب تحت الحزام، تداخلت فيه أطراف فرنسية بتنسيق مع أطراف جزائرية وأخرى من جبهة بوليزاريو ، للي دراع المغرب وجعله يرتج ويفرمل طموحاته نحو التعجيل بطي ملف الصحراء قريبا بعد كل هذا الحصاد الديبلوماسي الذي حققه عسكريا( تحرير منطقة الكركرات)، ديبلوماسيا( فتح قنصليات بمنطقة الصحراء) وسياسيا ( الاعتراف الأمريكي بمغربية الصحراء، واعتراف اسبانيا بمقترح الحكم الذاتي الذي تقدم به المغرب، وكذلك موقف ألمانيا الإيجابي…الخ)..
اليوم تريد فرنسا استهداف رمز الأمة المغربية، بضرب مصداقية جلالة الملك الروحية في أعين المغاربة، محاولة منها للي دراع المغرب في شخص جلالته حتى لا يتم اتخاذ مواقف ضد المصالح الفرنسية من طرف المسؤولين المغاربة.
فرنسا اليوم قد تلقفت الكرة من ملعب المغرب، وينتظر هذا الأخير منها تحديد موقفها، وأعتقد أن زيارة ماكرون للجزائر سيكون لها ما بعدها، والمغرب ينتظر الرد، ودون ذلك يبقى لعبا قذرا من جهات استخباراتية عبيطة للنيل من رمزية جلالة الملك، حتى لو تم الترويج لفيديو مفبرك تم تأويله بشكل مغرض وغبي يظهر فيه جلالة الملك بفرنسا للإيحاء بأنه كان في حالة سكر !؟
هنا وجب وضع نقطة نظام هامة للكشف عن قذارة الأسلوب المستخدم للضغط على الدولة المغربية، لكنه يكشف عن أنياب الخبث حين تلتقي مصالح أطراف معادية للوحدة الترابية للمملكة مع مصالح فرنسا الاستعمارية لتسجيل أهداف في مرمى العلاقات المغربية/الفرنسية المتوترة هذه الأيام بسبب التدخل المغربي في القارة السمراء، ومطالبة المغرب لفرنسا بتحديد موقفها من قضيتنا الوطنية الأولى الصحراء المغربية.
المصدر : https://dinpresse.net/?p=18304