الصين وأمريكا.. صعود ترامب وبداية “الحرب الاقتصادية”

دينبريس
آراء ومواقف
دينبريس30 يناير 2025آخر تحديث : الخميس 30 يناير 2025 - 6:45 مساءً
الصين وأمريكا.. صعود ترامب وبداية “الحرب الاقتصادية”

محمد زاوي
عندما كنا نتحدث عن خصوصية نظام ترامب في الولايات المتحدة الأمريكية، عندما كنا نتحدث عن هذه الخصوصية التي تستمد وجودها من طبيعة “الوجود الاجتماعي” للرأسمال الصناعي المدني في الولايات المتحدة الأمريكية؛ كان البعض آنذاك يتحدث عن الشخصية الإمبراطورية لترامب، غير منتبهين إلى ما يميز هذه الشخصية عن نظيرة لها لا تتوسع بالاقتصاد وإنما بالحديد والنار. عندما كنا نتحدث عن “حرب اقتصادية” تلوح في الأفق بصعود ترامب، كان البعض يتحدث عن أمريكا بمنطق “ليس في القنافذ أملس”.

والآن يرى الجميع، كيف أن الحرب الروسية الأوكرانية كادت أن تقف من وقع رسائل الود بين ترامب وبوتين، وكيف أن حربا أخرى تستعد لتعويضها، والمقصود هنا تلك الحرب التي يعشقها ترامب، “الحرب الاقتصادية” مع القوى الرأسمالية الكبرى وعلى رأسها دولة الصين. يحب ترامب رائحة الدولار يملأ الخزائن الأمريكية أكثر مما يحب رائحة القنابل والصواريخ وهي تجرَّب في هذا المكان أو ذاك من العالم، ويأسره لمعان العملات الرقمية والبرامج الذكرية في الفضاء الإلكتروني أكثر مما تأسره شرارة النار وقوة الانفجار في هذه الموقعة أو تلك.

الروس ليسوا نقيضا جوهريا لترامب في الاقتصاد الحديث، وليسوا غريما حقيقيا له إلا كعضو في تحالف دولي تقوده الصين هو “البريكس”. النقيض الجوهري لترامب وإدارته واقتصاده (رأسماله) هم الصينيون كقوة اقتصادية تستهدف الرأسمال المدني الأمريكي من جهتين: من جهة النموذج الاقتصادي الصيني بما هو نظام اشتراكي منفتح على النظام الرأسمالي العالمي (“اشتراكية السوق”)، ومن جهة القدرات الإنتاجية الصينية المتقدمة وتهديدها لمواقع الرأسمال الأمريكي في مختلف القطاعات المدنية من أدناها إلى أعلاها قيمة، ومن زراعة المانجو وتجفيف الأسماك وصناعة النسيج إلى تطوير البرامج الإلكترونية الذكية، ومن حفر الأرض إلى “غزو” الفضاء.

ينتهج ترامب في مواجهة الصين سياسة اقتصادية هذه أبرز معالمها الكبرى:

-فرض الرسوم الجمركية على المنتجات الصينية: وهذه سياسة لا يواجه بها ترامب الصين وحدها، بل الصين وكندا ودول الاتحاد الأوروبي والمكسيك وغيرها. وأغراضه من ذلك متعددة، من أهمها: التحكم في الربح الأوروبي داخل السوق الأمريكية، الضغط على بعض الدول التي تفتح أسواقها للمنتجات الصينية (كندا مثلا)، والضغط على المكسيك لوقف تدفق المخدرات عبر حدودها مع الولايات الأمريكية.. وتبقى مواجهة ترامب مع الصين هي الكبرى، لأنها تعبر عن جوهر التناقض العالمي اليوم، بين رأسمالين كبيرين لا ينطلقان من نفس النموذج السياسي والإيديولوجي والاقتصادي وإن كانا يستفيدان معا من قوانين الرأسمال. وقد سبق لترامب أن فرض رسوما جمركية على الصين في فترته الرئاسية السابقة، وفي ذات الإطار تناقش إدارته الجديدة فرض رسوم جمركية على الصين بقيمته 10 في المئة، حسب ما جاء في تصريح صحفي لترامب بتاريخ 21/01/2025.

ـ فرض قيود على المنتجات الصينية داخل الولايات المتحدة الأمريكية؛ وقد تصل هذه القيود إلى التهديد بالحظر كما حصل مع شركة “هواوي” في ولاية ترامب الأولى، وكما حصل مع “تيك توك” سابقا قبل أن ينتقل ترامب إلى أسلوب جديد في مواجهة هذا التطبيق عن طريق تخيير إدارته بين بيعه لأمريكيا أو حظره بقرار سيادي. يستدعي الأمريكيون خطاب “حماية الأمن القومي” لمواجهة هذا النوع من المنتجات الصينية، وهذا أمر معتبر، إلا أن العامل الأساسي في قرار المواجهة هو الاقتصاد. فكيف لأمريكا الترامبية أن تقبل بمنتوج إلكتروني/ ذكي صيني يصول ويجول في سوقها الداخلية، إذا كانت تسعى لمواجهتها في الأسواق الخارجية؟!

ـ منافسة الرأسمال الصيني في السوق الدولية: تريد أمريكا الجديدة الربح بطريقة مختلفة عن طرق “الديمقراطيين” من قبيل الابتزاز “الديمقراطي والحقوقي”، ومن قبيل افتعال الحروب في مناطق التوتر العالمي. الابتزاز الأمريكي الجديد يتم بطريقة مختلفة، إذا لا قرار يصدر عن الإدارة الأمريكية تجاه هذه الدولة أو تلك إلا بغرض الربح الاقتصادي المدني (لا العسكري). يحدث هذا الأمر في ظاهره بمنطق “رابح رابح”، إلا أنه قد يعرض الاقتصادات النامية للإنهاك واحتكار الاستثمار الاقتصادي بها و”غزوها” بالمنتجات الأمريكية.. وهذه صعوبة تواجهها الصين بدورها باعتبارها مستثمرا معتمدا في عدد من الدول النامية، وباعتبارها مصدرا من المصادر الدولية الكبرى لإنتاج السلع وتصديرها لدول العالم.

ـ تطوير قوى الإنتاج المدنية الأمريكية: وهذه سياسة ترامب خاصة، على النقيض من سياسة “الديمقراطيين” الذين يشجعون الاستثمار في قوى الإنتاج العسكرية على حساب قوى الإنتاج المدنية. وترامب في سياسته حبيس لقيدين: قيد عام هو القيد الرأسمالي الذي تفرضه علاقات الإنتاج الرأسمالية على قوى الإنتاج عموما، وقيد خاص تفرضه الصين بتقدمها في مجال الصناعات المدنية والإنتاج الإلكتروني/ الذكي. ترامب إذن يسير بقدمين، قدم يراعي بها حدود قوى الإنتاج، وقدم يترصد بها مستوى التقدم الصيني. ولذلك فإنه عندما يقرر التوقف في الإنتاج المدني والإلكتروني عند حدود معينة، فإن الصين تخرق هذه الحدود وتفجرها لمصلحتها ولمصلحة العالم تبعا لذلك. في هذا الإطار ينبغي قراءة تفاعل الرئيس الأمريكي د. ترامب مع الذكاء الاصطناعي الصيني الجديد “ديبسيك”.. وهنا يجب أن نقرأ جيدا تصريح ترامب: “تقنية “ديبسيك” جرس إنذار للشركات الأمريكية”.. وكأن هذه الشركات استفاقت على “فتيل نار أشعله التقدم التقني الصيني في غطاء” يخفي به الرأسمال الأمريكي القيمة الإنسانية والاشتراكية “للذكاء الاصطناعي”.

منذ الآن، يجب أن نتابع بعمق ما سيسفر عنه التنافس الأمريكي الصيني في عالم رأسمالي تملأه التناقضات، الرئيسي منها والثانوي..

رابط مختصر

اترك تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *


شروط التعليق :

عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.