![الصيام والجنس: حرمان نهاري إشباع ليلي؟](https://dinpresse.net/wp-content/uploads/cache/karima-7hyo5u35c8bfcp70af8w4j2r3g5jowhdg6rkwejiamz.jpg)
كريمة العزيز
لطالما ارتبط الصيام في الوعي الإسلامي بالامتناع عن الطعام والشراب والجماع خلال النهار، حتى صار عند كثيرين شهرا لتحريم الملذات نهارا والانغماس فيها ليلا.
لكن، هل يعكس هذا الفهم حقيقة الصيام كما أراده الله؟ وهل يمكن اختزال تجربة روحية كهذه في مجرد دورة من الحرمان والتعويض؟
عند إعادة قراءة النصوص القرآنية المتعلقة بالصيام، نجد أن التفسير التقليدي غالبا ما يركز على الجوانب الجسدية، متجاهلا الأبعاد الروحية والتعبدية.
ومن الآيات التي غالبا ما يتم الاستدلال بها في هذا السياق، قوله تعالى: “أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ ٱلصِّيَامِ ٱلرَّفَثُ إِلَىٰ نِسَآئِكُمْ ۚ هُنَّ لِبَاسٌۭ لَّكُمْ وَأَنتُمْ لِبَاسٌۭ لَّهُنَّ ۗ عَلِمَ ٱللَّهُ أَنَّكُمْ كُنتُمْ تَخْتَانُونَ أَنفُسَكُمْ فَتَابَ عَلَيْكُمْ وَعَفَا عَنكُمْ ۖ فَٱلْـَٰٔنَ بَـٰشِرُوهُنَّ وَٱبْتَغُوا۟ مَا كَتَبَ ٱللَّهُ لَكُمْ ۚ وَكُلُوا۟ وَٱشْرَبُوا۟ حَتَّىٰ يَتَبَيَّنَ لَكُمُ ٱلْخَيْطُ ٱلْأَبْيَضُ مِنَ ٱلْخَيْطِ ٱلْأَسْوَدِ مِنَ ٱلْفَجْرِ ۖ ثُمَّ أَتِمُّوا۟ ٱلصِّيَامَ إِلَى ٱلَّيْلِ ۚ وَلَا تُبَـٰشِرُوهُنَّ وَأَنتُمْ عَٰكِفُونَ فِى ٱلْمَسَـٰجِدِ ۗ تِلْكَ حُدُودُ ٱللَّهِ فَلَا تَقْرَبُوهَا ۗ كَذَٰلِكَ يُبَيِّنُ ٱللَّهُ ءَايَٰتِهِۦ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ” (البقرة: 187).
غالبا ما يفسر “الرفث” في هذه الآية على أنه إشارة إلى العلاقة الجنسية، لكن هل يمكن أن يمتد معناه ليشمل كل ما هو جسدي ومادي في علاقة الإنسان بجسده وبالآخرين؟ ولماذا التركيز على الجنس في هذا السياق تحديدا؟
كما يثير النص تساؤلا آخر: لماذا يبدو الخطاب هنا موجها للرجل دون المرأة، رغم أن العلاقة الزوجية تقوم على رغبة الطرفين؟ هل هذا نابع من طبيعة النص نفسه، أم أنه انعكاس لتفسيرات تاريخية كرست هذه النظرة؟
وإذا كان الصيام تجربة للتطهر والسمو الروحي والانقطاع عن المؤثرات الدنيوية، فكيف يصبح مدخلا لممارسة الشهوات؟ وهل من المنطقي أن يأمر الله الإنسان بالتجرد نهارا، ثم يدعوه للانغماس فيها ليلا؟ أم أن الصيام في جوهره ليس مجرد تدرج بين التفريط والإفراط، بل رحلة داخلية لفهم التوازن بين الجسد والروح، وبين الرغبة وكبحها، وبين الحاجة إلى الامتناع والحاجة إلى الإشباع؟
ربما لا يكون الهدف منه قمع الجسد، بل تحقيق الانسجام بينه وبين الروح، بحيث لا يصبح الإنسان عبدا لملذاته ولا أسيرا لزهده.
إعادة قراءة هذه الآيات بعقل متحرر من القوالب التفسيرية المغلقة قد تفتح الباب لفهم أعمق للصيام، ليس كطقس غذائي أو جسدي، بل كتجربة فردية للسمو الروحي والتأمل.
فهل آن الأوان لتحرير الصيام من دائرته الطقوسية الميكانيكية، وإعادته إلى جوهره كرحلة وعي؟
المصدر : https://dinpresse.net/?p=23282