الصراع الدولي الجديد بدول الساحل الإفريقي

دينبريس
تقارير
دينبريس29 أبريل 2021آخر تحديث : الخميس 29 أبريل 2021 - 10:02 مساءً
الصراع الدولي الجديد بدول الساحل الإفريقي

حاتم العناية
تشهد منطقة الساحل الإفريقي إقبالا دوليا مكثفا في هذه الفترة، ودخول لاعبين جدد إلى الساحة لم تعهدهم المنطقة المحتكرة فرنسيا بالدرجة الأولى لحسابات تاريخية وسياسية واقتصادية، وأمريكيا بدرجة ثانية، إلا أن دخول دول مثل السعودية والإمارات والصين وتركيا، أثار العديد من الشكوك والأسئلة عما يحاك للمنطقة، خاصة بعد انقلاب مالي الأخير الذي دق ناقوس الخطر في المنطقة، وأكد أنها مقبلة على مرحلة خطيرة من الصراع والتنافس الدولي بشأنها.

أسباب الصراع
تتكون دول الساحل الإفريقي من تسع دول هي: مالي والنيجر وموريتانيا وتشاد وبوركينا فاسو ونيجريا والكاميرون وإفريقيا الوسطى والسنغال، ويبلغ مجموع سكان هذه الدول أكثر من 100 مليون نسمة، وتمتلك ثروات هائلة من اورانيوم النيجر وثروات موريتانيا الحيوانية ومياه نهر السنغال وذهب نيجريا والأراضي الصالحة للزراعة التي تقدر بأكثر من 35% ونهرين في النيجر والسنغال وصحراء شاسعة يمكن استصلاحها، ناهيك عن النفط والغاز الذي تم اكتشافه مؤخرا في المنطقة، إلا أنه على الرغم من كل تلك الثروات والتعداد السكاني تعد المنطقة من بين أكثر المناطق فقرا وأمية في العالم، خاصة دولها الأربعة: موريتانيا ومالي والنيجر وتشاد.

كما عانت وما تزال تلك الدول من الحروب والصراعات كما هو الحال في مالي، التي لم تهدأ منذ أزمة عام 2012 وصولا إلى انقلاب غشت 2020، وكحال تشاد التي عاشت ربع قرن من الحرب الأهلية، ومقتل رئيسها في مواجهات مع المعارضة المسلحة، يضاف إلى ذلك كثرة النازحين والمهاجرين، حيث يشير تقرير صادر عن اللجنة الدولية للصليب في شتنبر الماضي إلى نزوح أكثر من مليون ساكن من منطقة الساحل الإفريقي. كل تلك الأسباب مجتمعة جعلت المنطقة محط أنظار الجميع ولقمة يستسهل الجميع ابتلاعها.

التدخل الفرنسي في منطقة الساحل
تعتبر أغلبية الدول في المنطقة مستعمرات فرنسية سابقة، حيث نالت معظمها استقلالها عام 1960 إلا أنها في الحقيقة ظلت تحت السيطرة الفرنسية سياسيا عن طريق دعم الانقلابات العسكرية وتغيير النظم السياسية المتعاقبة على حكم البلدان.

واقتصاديا عن طريق استغلال الثروات واحتكار الشركات الفرنسية للأسواق وللثروات الطبيعية من الذهب والأورانيوم، وذلك بخلاف التحكم في حياة المواطن الإفريقي من خلال الفرنك الفرنسي الذي يعتبر العملة في العديد من البلدان، وبطبيعة الحال لم يسلم الجانب العسكري أيضا من الهيمنة الفرنسية، فالقواعد العسكرية الفرنسية موجودة في كل من مالي والنيجر.

التدخل الأمريكي
بدأ الاهتمام الأمريكي بمنطقة الساحل عموما بعد هجمات الحادي عشر من شتنبر 2001 وما تلاها من تداعيات أبرزها وثيقة الأمن القومي الأمريكي الشهيرة في 20 من شتنبر 2002 التي نصت على ضرورة وضع السياسة الأمريكية منطقة الساحل الإفريقي نصب عينيها، وبدأ العمل جديا منذ تلك اللحظة، فجاءت عدة مبادرات أبرزها “مبادرة بان ساحل” عام 2002 لمكافحة الإرهاب في المنطقة، ثم تلتها مبادرة “مكافحة الإرهاب عبر الصحراء” عام 2005، ثم مشروع “الأفريكوم” عام 2007، وهي قيادة عسكرية أمريكية رسخت مفهوم الوجود العسكري الأمريكي في إفريقيا ومنطقة الساحل خاصة.

ثم جاء التدخل الأمريكي تحت غطاء محاربة الإرهاب مع بروز جماعات مسلحة كتنظيم القاعدة في بلاد المغرب العربي وجماعة بوكو حرام التي عززت نشاطها في نيجريا ودول الجوار، في تكرار مشابه لسيناريو الحرب على الإرهاب في الشرق الأوسط، والغريب أن التحركات الأمريكية جميعها جاءت بالتزامن مع تداعيات الحادي عشر من شتنبر.

التراجع الفرنسي في مقابل الدور الأمريكي
جاء انقلاب مالي الأخير في غشت الماضي بمثابة الطعنة في ظهر فرنسا، مؤكدا عمق الفجوة بين الحليفتين (واشنطن وباريس) في الحرب على الإرهاب بمنطقة الساحل، ليشير في الوقت نفسه إلى قوة النفوذ الأمريكي مؤخرا على حساب النفوذ الفرنسي التاريخي.

ففي الوقت الذي تحدثت فيه صحيفة “لوفيجارو” الفرنسية الشهيرة عن تراجع الدور الفرنسي في مالي وعن طعنة في ظهر فرنسا خلال الانقلاب الأخير في البلاد بعد سبع سنوات من حربها ضد الجماعات المسلحة في الشمال المالي، حاول خلالها الإليزيه إيهام الشارع الفرنسي بأن الغرب الإفريقي وبلدان الساحل لا تزال تحت السيطرة.

كما نشرت صحيفة “واشنطن بوست” تقريرا صادما للبيت الأبيض ولباريس وماكرون، كشفت فيه تلقي قائد الانقلاب الأخير العقيد أسيمي غونتي تدريبات في الولايات المتحدة الأمريكية، واستندت الصحيفة الكبيرة إلى تصريحات عسكريين من “البنتاغون”.

تقرير “واشنطن بوست” وإن كشف معلومات عن قائد الانقلاب العسكري في مالي، فقد كشف أيضا مدى تعاظم الدور الأمريكي هناك والرغبة الأمريكية في بسط النفوذ على حساب الحليف ذي الوزن الثقيل جدا في القارة عامة ومالي خاصة فرنسا.

رابط مختصر

اترك تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *


شروط التعليق :

عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.