الصحراء المغربية.. السيادة التي تجاوزت منطق الاستفتاء إلى شرعية التاريخ وقوة العقل السياسي

9 نوفمبر 2025

تحرير : خديجة منصور

من يتأمل مسار الصحراء المغربية يدرك أن جوهر النزاع لم يكن يوما سؤالا جغرافيا، بل سؤالا شرعيا. فالمغرب، بتاريخه العريق الممتد من عاصمة الحكم المركزي إلى تمبكتو، لم يدخل الصحراء بالخرائط بل دخلها بالبيعة، بالعلاقات الروحية، وبالعمق الحضاري الذي شكل هوية هذه الأرض قبل نشوء الدولة الوطنية الحديثة. لهذا، لم يكن القرار 2797 لحظة أممية عابرة، بل اعترافا أمميا بأن التاريخ لا يستفتى وأن السيادة ليست موضوعا لتصويت، بل موضوع تطابق بين الشرعية الواقعية والعقل السياسي.

تماشيا مع هذا التحول، صرح السفير عمر هلال، الممثل الدائم للمغرب لدى الأمم المتحدة، خلال مقابلته على قناة NEWSMAX الأمريكية، إن مجلس الأمن “لم يعد يعتبر الاستفتاء خيارا سياسيا مطروحا”، مؤكدا أن القرار 2797 كرس مبادرة الحكم الذاتي تحت السيادة المغربية باعتبارها الحل الوحيد الجدي، الواقعي، والمتوافق مع القانون الدولي ومع رؤية الملك محمد السادس القائمة على السلم، التنمية، والواقعية السيادية، هذا التصريح لم يكن مجرد موقف دبلوماسي؛ بل تلخيص للتحول العميق في الوعي الدولي تجاه الصحراء المغربية؛ من نزاع مفتعل إلى قضية سيادة مؤكدة.

فمبادرة الحكم الذاتي التي قدمها المغرب ليست تنازلا بل تجسيدا لما تحدث عنه هيغل حين رأى الدولة “تجلي العقل في التاريخ”. إنها صيغة تجعل السيادة شراكة لا قهرا، تعاقدا لا انفصالا، وتمنح سكان الصحراء المغربية سلطة تدبير شؤونهم ضمن وحدة الدولة، أما أطروحة الانفصال، فهي أقرب لما يسميه كانط “الخيال العدمي في السياسة”: مشروع بلا ذاكرة، بلا اقتصاد، وبلا قدرة على إنتاج دولة أو مجتمع سياسي.

القرار 2797 أخرج الصحراء المغربية من منطق الاستفتاء إلى منطق الاعتراف السيادي. والقوى الكبرى، من واشنطن إلى باريس، لم تعد تحافظ على حياد رمادي، بل باتت تعتبر أن استقرار الساحل والصحراء، وأمن المتوسط، وممرات الطاقة نحو أوروبا وإفريقيا، تمر عبر المغرب، باعتباره قوة استقرار وشرعية لا كيانا متنازعا على حدوده.
إن المغرب لا يدافع فقط عن الرمال والحدود، بل عن معنى الدولة في زمن التشظي، وعن مفهوم السيادة القائمة على التاريخ والعقل معا. السيادة هنا ليست امتلاك الأرض فقط، وإنما القدرة على منحها قانونا، تنمية، وهوية ومصيرا. لذلك لم تعد الصحراء المغربية موضوع نزاع دولي، بل أصبحت اختبارا فلسفيا وسياسيا لفكرة الدولة ذات الشرعية القديمة والرؤية الحديثة.

وحين تتطابق الجغرافيا مع التاريخ، والسيادة مع العقل، تصبح الصحراء ليست فقط مغربية، بل درسا في الفلسفة السياسية المعاصرة؛ أن هناك أوطانا لا يستفتى حولها لأنها وجدت قبل أن تثار الأسئلة حولها.

التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد.

توكل كرمان.. من جائزة نوبل إلى خطاب الفتنة

عمر العمري تقدم توكل كرمان نفسها، منذ حصولها على جائزة نوبل للسلام سنة 2011، بوصفها رمزا عالميا للحرية وحقوق الإنسان، إلا أن مسارها الإعلامي والسياسي اللاحق سرعان ما كشف عن تناقض صارخ بين الشعارات والممارسة. فبدل أن تكون صوتا للحوار والسلام، تحولت إلى منبر للتحريض والتجريح، مستخدمة المنصات الرقمية لنشر خطاب عدائي يستهدف المغرب ومؤسساته […]

استطلاع رأي

هل أعجبك التصميم الجديد للموقع ؟

Loading...