نادية عطية ـ باحثة مغربية
أول من جعلني اود التعرف أكثر على المدرسة ما بعد الكولونيالية والديكولونيالية هو ادوارد سعيد. لإدوارد سعيد مقولات ثلاثة مهمة جدا:
ــ عرف الاستشراق على انه مؤسسة لفهم الشرق وضبطه والهيمنة عليه.
ــ دحض نظرية صراع الحضارات والثقافات لهنتغتون بل واعتبرها نظرية موجهة لأصحاب القرار للهيمنة على العالم بعد نهاية الحرب الباردة.
ــ قال في كتابه “الثقافة والإمبريالية” وفي كتابه الاخير عن الإنسنية وفي اخر مقال نشر له ان الامبريالية والأصوليات الدينية والقومية تتغذى من بعضها واعتبر أن الانسانية خيارنا الأخير للوقوف في وجه بربرية العولمة والأصوليات على السواء.
عندما أقرا لسعيد لا ادقق في التفاصيل فانا لست اكاديمية ابحث عن مراجع لكنني قارئة هاوية وكاتبة هاوية اهتم بالرؤية العامة التي تؤطر التفاصيل. القارئ الهاوي والكاتب الهاوي الذي أنصفه سعيد في مقابل المثقف الخبير. ومع ذلك اعتبر نفسي قارئة جيدة لسعيد. بل واعتبر ان هذه المقولات الثلاثة مقولات ماركسية. بحيث ان الثقافي غير منفصل عن السياسي والاقتصادي وهذه فكرة ماركسية بامتياز.
نحتاج استدعاء سعيد في هذه اللحظة بالذات. وكأنه كان يعرف ما سيحدث فبعد نقده لأوسلو ورفضها بشدة توجه لنقد للداخل الفلسطيني. واتذكر مقابلته مع أحمد منصور حيث كان هذا الأخير وقحا معه، بل حاول أن يظهره مسالما غير مقاوم وهو المقاوم الذي ترك إثره في جامعة كولومبيا، وتعرفون جامعة كولومبيا. بل وعلى المؤرخين الجدد في إسرائيل أمثال شلومو ساند وايلان بابي.
سعيد الذي قاوم الصهيونية في الولايات المتحدة الأمريكية ونجح لوحده في فضح السرديات الكاذبة.
………
إذا كان ادوارد سعيد يقول ان الغرب هو من صنع الشرق كنقيض ليتعرف على نفسه ويجعلها متفوقة فجعل التقدم ملازما للغرب والتخلف للشرق، الحرية والديموقراطية للغرب والاستبداد للشرق فإن عبدالله العروي يقول إننا نتعرف على النحن/الذات من خلال الغرب. وطبعا يقصد بالنحن العرب والمسلمون. يرى عبد الله العروي ان لدينا وعي مزدوج وان هذا الوعي مر في مصر بثلاث حقب، وعي الشيخ ثم وعي الزعيم السياسي الليبرالي وأخيرا وعي داعية التقنية.
الشيخ نظر الى الغرب كنصارى ثم قال نحن لدينا في الإسلام ما هو أعظم من المسيحية فإن تقدموا ونحن متخلفون فلأننا لا نطبق الإسلام. نحن لدينا ما يدعو للعلم وللعمل وللديموقراطية ولكل شيء. تجد الشيخ مهووسا بالحفاظ على الذات وعلى الهوية الصافية أكثر من هوسه بتمثل ما وصل له الغرب.
الزعيم السياسي الليبرالي اعتقد أن الغرب تقدم بفضل الحريات فجاء يدعو للبرلمان ولتعليم يدعو للحرية. حرية المرأة نموذجا. يعني تمثل ظواهر ليبرالية الغرب. يفشل كل هذا فيأتي داعية التقنية. الغرب تقدم بالصناعة والانتاج والتعليم الجيد ولا يهم أي شيء آخر. يمثل هذا التطور وهذا الوعي كل من محمد عبده ولطفي السيد وسلامة موسى وطه حسين ويعتبر الحقبة الناصرية أي حقبة الدولة القومية حيث انتصر وعي داعية التقنية.
أما في المغرب فقد جاءت صدمة اللقاء بالحداثة والتحديث متأخرة لكن المغاربة عرفوا الغرب كما يقول من خلال مفكري المشارقة وعلال الفاسي هو محمد عبده بالنسبة لنا. في المغرب كما في المشرق يقول العروي، أصبح الشيخ يندمج مع الزعيم الليبرالي مع داعية التقنية. بمعنى أن داعية التقنية سرعان ما يستيقظ عنده الشيخ وهكذا.
في الحقيقة القراءة لعبد الله العروي مدهشة لأن عقله مرتب. وهو يوضح منهجه في التحليل ويعرف بمصطلحاته ومفاهيمه ربما لأنه يعاني من قراءات الحكم المسبق كما يقول. لكنني أجد في كل ما يقوله صدى حتى الآن بعد خمسين عاما من إصدار الكتاب. أصوات كثيرة تعلو بأن الحل هو التصنيع والتعليم الجيد وتحديث الفلاحة وهذا ما مثله بن بركة كما بين العروي (وعي الدولة القومية) لكن قد يستيقظ عندها وعي الشيخ ووعي الزعيم الليبرالي.
لقد ربط العروي وعي الشيخ بحقبة الاستعمار لكن الواضح أن ما ينتصر اليوم هو وعي الشيخ فهل لأن الاستعمار مستمر بأشكال مختلفة.
الجميل في العروي أنه يحلل بكل موضوعية حتى إنك وبعد قراءة فصول بأكملها لن تستشف موقفه أو ذاته في كل ما تقرأ. يبسط امامك نتائج التحليل حتى تجد نفسك انت من تكون موقفا دون موقفه هو. هذا ما يسمى العلمية والموضوعية في التحليل.
ــــــــــــــــــــــ
رابط صفحة الكاتبة على فيسبوك:
المصدر : https://dinpresse.net/?p=23048