الشخصية المتطرفة والنظريات المفسرة لها

ذ محمد جناي
تقارير
ذ محمد جناي5 يناير 2023Last Update : الخميس 5 يناير 2023 - 12:21 مساءً
الشخصية المتطرفة والنظريات المفسرة لها

ذ. محمد جناي
يعتبر التطرف من الظواهر العالمية وهو موجود حيث يوجد الإنسان ، لأنه نتاجا للظروف الاقتصادية والسياسية والنفسية ، ولكنه ليس أصلا في شخصية الإنسان ، بل هو النتيجة التي تظهر على سلوكيات الإنسان كنتاج ومؤشر لما مورس عليه منذ طفولته إلى يومه الحالي ، ولذلك فقد أصبح التطرف من أهم المشاكل النفسية الخطرة التي تحيط بمجتمعات العالم بصورة عامة والمجتمع المغربي بصورة خاصة ، وفي الحقيقة إن الإنسان هو مخلوق خير بطبيعته، ولكن سلوكياته التي يعتبرها المجتمع سلوكيات غير سوية هي نتيجة لأثر جميع مؤسسات التنشئة الاجتماعية على الإنسان، فللمجتمع ومؤسساته الدور المهم في الحد من التطرف في المجتمعات.

فالتطرف، كظاهرة اجتماعية قد يظهر في صور متباينة، منها التطرف السياسي ، والتطرف الاجتماعي، والتطرف الفكري، والفني والرياضي ، والتطرف الديني، حيث يعد مفهوم التطرف من المفاهيم التي يصعب تحديدها أو إطلاق تعميمات بشأنها نظرا لما يشير إليه المعنى اللغوي للتطرف من تجاوز لحد الاعتدال ، وحد الاعتدال نسبي يختلف من مجتمع لآخر وفقا لنسق القيم السائد في كل مجتمع ، فما يعتبره مجتمع من المجتمعات تطرفا من الممكن أن يكون مألوفا في مجتمع آخر، فالاعتدال والتطرف مرهونان بالمتغيرات البيئية والحضارية والثقافية والدينية والسياسية التي يمر بها المجتمع، كما يتفاوت حد الاعتدال والتطرف من زمن لآخر، فما كان يعد تطرفا في الماضي قد لا يكون كذلك في الوقت الحاضر.

و في غير مجال علم النفس يعرض البعض العديد من الأسباب والدوافع للتطرف، أما في علم النفس فالأمر مختلف؛ فالأسباب والدوافع التي يقدمها علم النفس مرجعها إلى نظريات نفسية مفسرة لذلك ، والتطرف لا يمكن حصره في سبب واحد أو عدة أسباب معينة ، ولكن الأمر يرجع إلى العديد من الأسباب شأنه شأن أي سلوك غير طبيعي كالسرقة أو القتل فلا يمكن حصر أيا منهم في سبب واحد وكذلك التطرف، ومن النظريات النفسية المفسرة للتطرف ما يلي :

أولا: نظريات الشخصية

أرجع عدد من علماء النفس السلوك ومنه الغير طبيعي كالتطرف إلى عوامل ونظريات تتعلق بالشخصية منها :

* نظرية السمات: تفيد هذه النظرية أن التطرف هو استعداد في الشخصية يولد به الفرد ، والمسؤول عنه عوامل بيولوجية وليست تربوية ، حيث لا نستطيع رؤية السمات ولكن نستنتج وجودها من خلال السلوك ، وعلى هذا تفيد هذه النظرية أن الإنسان لديه استعداد لأن يكون متطرفا والظروف البيئية ماهي إلا عوامل مساعدة لإظهار هذه السمات الكامنة.

* نظرية الأنماط: تفيد هذه النظرية إلى أن الشخصية الغير سوية يكون محركها غلبة بعض الأنماط على أخرى، وقسم الطبيب اليوناني أبو قراط الناس إلى أربعة أنماط على أساس الأخلاط أو سوائل الجسم الأربعة التي افترض أن الجسم يتكون منها وهي : المزاج الدموي ويتميز بالنشاط والمرح والتفاؤل وبسهولة الاستشارة وسرعة الاستجابة، والمزاج السوداوي ويتميز بالانطواء والتأمل وبطأ التفكير والتشاؤم والميل إلى الحزن والاكتئاب، ثم المزاج الصفراوي الذي يتميز بسرعة الانفعال والغضب وحدة المزاج والصلابة والعناد والقوة وفي الأخير المزاج البلغمي ويتميز بالخمول وتبلد الشعور وقلة الانفعال وعدم الاكتراث وبطء الحركة وكذلك الاستشارة والاستجابة والميل إلى الشراهة.

وعلى أساس ذلك يمكن رد سبب السلوك المتطرف إلى طغيان وغلبة المزاج السوداوي والذي يتميز بالانطواء والتأمل وبطأ التفكير والتشاؤم والميل إلى الحزن والاكتئاب، وكذلك المزاج الصفراوي والذي يتميز بسرعة الانفعال والغضب وحدة المزاج والصلابة والعناد والقوة.

* النظريات الدينامية: والتي تشير إلى مجموعة من نظريات الأداء البشري التي تستند إلى دوافع وقوى متبادلة داخل الشخص ومن أهمها نظرية التحليل النفسي وهي النظرية التي تنسب أساسا إلى ” فرويد ” والتي تؤكد أهمية وجود ديناميات معينة في شخصية الفرد هي التي تمارس تأثيرها في تصرفاته المختلفة .

وعلى الرغم من كثرة الانتقادات التي وجهت لنظرية التحليل النفسي إلا أنه لا يمكن إغفال تأكيدها على عدة أشياء مهمة نذكر منها ما يختص بظاهرة التطرف ، وهي الدعوة إلى الاهتمام بالسنوات المبكرة من عمر الإنسان ، التي ترسم من خلالها خارطة سلوكه المستقبلي، والتي لها أكبر الأثر في تكوين شخصيته وعلى علاقة الفرد بوالديه وكيف يكون لها أثرا كبيرا في تشكيل سلوكه، فإذا اتسمت هذه العلاقة بالسواء انطبع ذلك على سلوك الفرد وكان سلوكا سويا يرتضيه المجتمع، أما إذا اتسمت تلك العلاقة بالقهر والتسلط فإن العنف والتطرف والسلوك المضاد للمجتمع سيكون هو النتاج، كيف لا ومن المعروف أن الضمير يتشكل من مجموع الضوابط والنواهي التي يحقنها الوالدين لأولادهم على مدار حياتهم.

ثانيا: نظريات التعلم

تعالج نظريات التعلم المختلفة التعصب على أساس أنه اتجاه يتم تعلمه واكتسابه بالطريقة نفسها التي تكتسب بها سائر الاتجاهات والقيم النفسية الاجتماعية ، حيث يتم تناقله بين الأشخاص كجزء من المحصلة الكبرى لمعايير الثقافة، فالتعصب يعد بمثابة ” معيار ” في ثقافة الشخص ، يتم اكتسابه من خلال القنوات المختلفة لعملية التنشئة الاجتماعية، بما في ذلك الأسرة والأقران والمؤسسات التربوية والإعلام ودور العبادة.

والطفل يكتسب مثل هذه الاتجاهات التعصبية ويستجيب طبقا لها لكي يشعر بأنه مقبول من الآخرين، ومن أهم نظريات التعلم نظرية التعلم الاجتماعي والتي ترى أن التقليد يعد متغيرا هاما في تعلم الطفل للاتجاهات التعصبية، فهم يقضون وقتا طويلا مع آبائهم، وبعد فترة من الوقت يبدأون في الاعتقاد بأن ما يشاهدونه من سلوك آبائهم هو الصحيح والنموذج الذي ينبغي أن يتمثلوه ويستجيبوا في إطاره، وإن لم تكن هناك محاولة منظمة ومدروسة للتأثير فيهم من قبل آبائهم وتحدث نفس هذه العملية مع جماعات الأقران والمدرسين، وأي قنوات أخرى مهمة للتعلم في حياة الطفل.

ويرى أصحاب نظرية التعلم الاجتماعي أن السلوك الإنساني سلوك متعلم ، وأننا لا نقوم بأي سلوك إلا إذا كان هذا السلوك سوف يحقق لنا مكاسب معينة، ومن هنا نستطيع القول أن التطرف كغيره من أنواع السلوك يتم تعلمه عن طريق التفاعل ببن الفرد وعوامله الذاتية وبين البيئة بمؤثراتها المختلفة، ويتطرف الأفراد لاعتقادهم أنه سيجني مكاسب معينة من التطرف، سواء كانت مكاسب معنوية أو مكاسب مادية.

كما يتعين التأكيد على أنه من خلال نظرية التعلم الاجتماعي يمكن القول إن التطرف سلوك اجتماعي متعلم كغيره من أنواع السلوك ، والإنسان ينخرط في هذا السلوك ويمارسه تجاه الآخرين نتيجة لخبراته السابقة ، أو أنه قد تم تحريضه بشكل مباشر للقيام بالسلوك المتطرف نتيجة العديد من الأسباب الاجتماعية أو البيئية الخاصة.

وعلى هذا فترى نظريات التعلم أن التطرف سلوك مكتسب من البيئة المحيطة ، خاصة في السنوات الأولى من العمر مثل الأسرة والمدرسة ، حيث يكتسب الفرد السلوك المتطرف عن طريق التعلم من الآخرين، فإذا كان الأب أو القدوة متطرفا فإن الإبن أكثر عرضة للتأثر واكتساب هذا السلوك ، خاصة إذا كان هذا السلوك المتطرف يقابل بالاستحسان وليس الاستهجان، فربما يعضد ذلك من استمرار هذا السلوك لدى الطفل.

ثالثا: النظريات المعرفية

وهي النظريات التي تعطي وزنا أساسيا ” للعمليات المعرفية ” ، وتعني الإجراءات العقلية التي تتعلق باستقبال واكتساب ومعالجة وتخزين وتفسير المعلومات التي يتعامل معها عقل الإنسان في البيئة الخارجية( الإحساس – الانتباه – الإدراك – الذاكرة – التعلم – التفكير …)، ومن أهم النظريات المعرفية : نظريات السلوك بين الجماعات، ونظرية أنساق المعتقدات.

فالتطرف كسلوك يصدر من الشخص الذي يعاني من القلق والتوتر والإحباط( وغيره من الاضطرابات النفسية والشخصية) يكون نتيجة إدراكه وتفكيره الخاطئ ، وتبنيه واقتناعه بأفكار غير منطقية وهو يعتقد بأن هذه الأفكار من المثالية والتميز فهو لا يرى الأشياء سوى من جانب واحد ، ولا توجد لديه بدائل أو اختيارات فهو يعيش في عالم مغلق ولم يفتح الطريق أمامه للخروج من الاضطراب والتوتر الذي يشعر به ، مما يجعله أسيرا لتلك الأفكار.

رابعا: نظريات الصراع بين الجماعات

تركز هذه النظريات على معرفة متى وكيف ينشأ التعصب في مجتمع معين ، أو ثقافة معينة ، أو جماعة معينة، نتيجة أشكال الصراع المختلفة التي تنتج من تفاعل الجماعات ككل وليس على الأفراد ، ولكن بوصفهم أعضاء في جماعات معينة ، بمعنى أن هناك عدة تفسيرات متباينة لنشأة التعصب تدور جميعها حول أهمية الصراع بين الجماعات بشكل أو بآخر على أساس درجة التهديد ، بمعنى أن الأفراد الأكثر عرضة للتهديد من جماعة أخرى يكونون أكثر عرضة لنشأة التطرف لديهم ، وهذا يسميه بعض علماء النفس نظرية الصراع الواقعي بين الجماعات .

خامسا: مفهوم الإحساس بالهامشية الاجتماعية كإطار لتفسير الاتجاه نحو التطرف

يمكن تعريف الهامشية على أنها نمط من الحياة على هامش الجماعة أو المجتمع الذي ينتمي إليه الفرد وعدم قبوله بشكل تام عضو فيها ، والشخص الهامشي هو ذلك الشخص الذي حكمت عليه الظروف أن يعيش في مجتمعه، في ثقافتين ليستا مختلفتين فقط ، بل ومتعارضتين أيضا ، كما أن هذا المفهوم قد استعمل ليشير إلى الفئات ذات الوضع المتدني في المجتمع.

والإنسان الهامشي كما وصفه علماء الاجتماع يتميز بازدواج الشخصية، وازدواج المشاعر والاتجاهات، ويعاني من الولاء المزدوج، متقلب المزاج يشعر بالانحطاط واللامبالاة ومنطوي على نفسه، ومغترب في ذاته وفي مجتمعه، يمتلك تشكيل ضعيف هش للأنا، رجعي وعدواني، ويتميز باستجابات سريعة غير محكومة للموقف، ويفيد هذا المفهوم أن التطرف قد يكون نتيجة للشعور بالهامشية.

وختاما، فالمجتمع المغربي لا يحتكر ظاهرة التطرف دون المجتمعات الأخرى ولكنه كمثل بقية المجتمعات الأخرى يؤثر ويتأثر بما يحيط به من عوامل داخلية وخارجية ، وأن بروز ظاهرة التطرف فكرا وسلوكا ، ليس خاصا بالمجتمع المغربي بل هو سلوك دولي ، وقد بدأت هذه الظاهرة تلقي ظلالها على شباب العالم العربي والمغاربي مع زيادة الفقر الروحي ، وغياب القدوة والابتعاد عن العقيدة السوية وافتقاد الأمن الثقافي ، وطغيان المادة والتقدم العلمي الرهيب ، وزيادة حجم المعلومات وسرعة طرح الثقافات والهجمة الشرسة على الثقافة العربية ومحاولات النيل من العمق الاستراتيحي لهذه الثقافة في نفوس الشباب وتدني دور الأسرة في بناء شخصية الفرد وغياب الخطط الأساسية للتصدي والتعامل مع كل هذا ، فوجد الشباب نفسه محاصرا بعالم كبير شرس غير رحيم أفقده كثيرا من جوانبه الإنسانية.
ـــــــــــــــ
هوامش
(1): كتاب التفسير النفسي للتطرف والإرهاب ، تأليف الدكتور شاكر عبد الحميد ، مكتبة الإسكندرية، وحدة الدراسات المستقبلية 2017 (مراصد 37).
(2):الاتجاه نحو التطرف وعلاقته بالحاجات النفسية لدى طلبة جامعة الأزهر بغزة ، رسالة علمية للباحث محمد أبو دوابة استكمالا لمتطلبات الحصول على درجة الماجستير في التربية سنة 2012.

Short Link

Leave a Comment

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *


Comments Rules :

عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.