الشباب في ألمانيا بين التهميش السياسي وتحديات المستقبل: نظرة على التقرير السابع عشر للأطفال والشباب 2024

محمد عسيلة
آراء ومواقف
محمد عسيلة18 سبتمبر 2024آخر تحديث : الأربعاء 18 سبتمبر 2024 - 7:48 مساءً
الشباب في ألمانيا بين التهميش السياسي وتحديات المستقبل: نظرة على التقرير السابع عشر للأطفال والشباب 2024

محمد عسيلة*
تم تقديم التقرير السابع عشر للأطفال والشباب في ألمانيا بتاريخ 18 شتنبر 2024، ليقدم رؤية تحليلية شاملة على مدى 600 صفحة حول واقع الشباب وخدمات رعاية الأطفال والشباب في البلاد. التقرير يعكس بوضوح أن الجيل الحالي هو الأكثر تنوعًا في التاريخ الألماني، إلا أن جميع الأطفال والشباب يتشاركون في حاجة ماسة إلى التوجيه والشعور بالأمان، خاصة في ظل التغيرات الديناميكية والاضطرابات التي يشهدها العالم. الرسالة الأساسية للتقرير هي أن “الثقة تحتاج إلى الاطمئنان”، ما يضع مسؤولية على السياسة والمجتمع لتوفير بيئة موثوقة وداعمة للشباب عبر تقديم خدمات قوية وقادرة على الصمود.

في ظل التغيرات العالمية السريعة، يواجه الشباب تحديات غير مسبوقة، من الأزمات المناخية والصراعات السياسية إلى التحولات الاقتصادية والتبعات المستمرة لجائحة كورونا. هذه التحديات لا تؤثر فقط على حياتهم اليومية، بل على تصوراتهم حول المستقبل، مما يدفعهم إلى الشعور بعدم الثقة والاطمئنان بشأن ما هو قادم.

التقرير السابع عشر يسلط الضوء على تراجع كبير في ثقة الشباب بالمستقبل. ويربط بين هذا التراجع وبين الشعور المتزايد بالتهميش السياسي. فالشباب في ألمانيا يشعرون بأنهم مغيبون عن عمليات صنع القرار، وأن السياسة بعيدة عنهم ولا تلبي احتياجاتهم الملحة. وفقًا لوزيرة الأسرة، ليزا باوس، “القلق يتزايد بين الشباب نتيجة الأزمات المتعددة التي تحيط بهم، سواء كانت الحروب أو التغيرات المناخية أو الأزمات الاقتصادية، ما يعزز شعورهم بعدم الأمان”.

أحد أبرز النتائج التي توصل إليها التقرير هو أن “الشباب يعتمدون بشكل رئيسي على أسرهم للحصول على التوجيه والدعم”، وليس على السياسات الحكومية أو المؤسسات العامة. يرى العديد من الشباب أن السياسة بعيدة عن واقعهم، وأن عملية صنع القرار تبدو غير شفافة وغير متاحة لهم. البروفيسورة كارين بويلرت، رئيسة اللجنة التي أعدت التقرير، أشارت إلى أن الشباب يطمحون إلى “مزيد من المشاركة في اتخاذ القرارات” التي تؤثر على حياتهم، ويرغبون في رؤية سياسات تُمكّنهم من المساهمة الفعلية في تحديد مستقبلهم.

التقرير يشدد على أهمية إيجاد قنوات تتيح للشباب التعبير عن آرائهم بحرية والمشاركة الفعالة في رسم السياسات. هذا التوجه ليس مجرد مطلب ثانوي، بل هو حاجة ملحة لضمان مستقبل أكثر استقرارًا للشباب. كما أن “توفير إطار سياسي يعزز الثقة ويتيح للشباب دورًا رياديًا في تشكيل مجتمعاتهم” هو أمر ضروري لمواجهة التحديات المستقبلية.

كما أشار التقرير، في مجتمع يتزايد فيه عدد كبار السن بينما ينخفض عدد الشباب، يصبح الأطفال والشباب أكثر عرضة للتهميش. وأكدت وزيرة الأسرة، ليزا باوس، أن المشاركة في صنع القرار هي عنصر أساسي لتعزيز التماسك الاجتماعي. وأوضحت أنه عندما لا يتمكن الشباب من المشاركة في اتخاذ القرارات، وعندما لا يتم الاهتمام باحتياجاتهم، فإن ذلك لا ينتهك حقوقهم فحسب، بل يزعزع أيضًا ثقتهم في السياسة والعمليات الديمقراطية. وأشارت إلى أن هذا الشعور بالإقصاء قد يجعلهم أكثر عرضة للخطابات الشعبوية، التي تعد بحلول سريعة ولكن غير مستدامة. ولهذا تعمل وزارتها على إعداد خطة عمل وطنية لتعزيز مشاركة الشباب.

على الصعيد العالمي، يواجه شباب مغاربة العالم تحديات مشابهة لأقرانهم في الدول التي يعيشون فيها. مثلما أكدت باوس على أهمية إشراك الشباب في عملية صنع القرار، يحتاج شباب مغاربة العالم إلى فرص حقيقية للتعبير عن آرائهم والمساهمة في صياغة السياسات التي تؤثر على حياتهم، سواء في دول الإقامة أو في المغرب. عدم قدرتهم على المشاركة الفعالة في هذه العمليات حتى داخل الجمعيات المغربية يجعلهم يشعرون بالتهميش، مما يزيد من خطر انجذابهم إلى الخطابات الشعبوية والمتطرفة التي تعد بحلول سريعة وغير فعالة.

إن تعزيز مشاركة الشباب في الحياة السياسية والاجتماعية ليس فقط حقًا ديمقراطيًا، بل هو ضرورة للحفاظ على الهوية الثقافية والدينية وتعزيز الانتماء في كلا المجتمعين، سواء المجتمع المضيف أو المجتمع المغربي. من هنا، تبرز الحاجة إلى برامج وطنية ودولية تهدف إلى دمج هؤلاء الشباب في عمليات صنع القرار، وتعزيز دورهم كمساهمين نشطين في بناء مجتمعاتهم. إن تعزيز ثقة الشباب في الديمقراطية ومنحهم الأدوات اللازمة للمشاركة الفعالة في صنع القرار هو السبيل لمواجهة تأثيرات الشعبوية وتحقيق التماسك الاجتماعي على المدى الطويل.

بالنسبة للشباب من خلفيات مهاجرة، بمن فيهم الشباب المغربي في ألمانيا، فإن التحديات تتضاعف. فهم يواجهون الأزمات العالمية، مثل تغير المناخ والبطالة، إلى جانب تحديات تتعلق بالاندماج في مجتمعاتهم الجديدة مع الحفاظ على هويتهم الثقافية. يفتح التقرير نافذة لفهم أعمق لهذه التحديات، ويبرز الحاجة إلى تمكين الشباب من المشاركة الفعالة في صياغة السياسات محليًا ووطنياً.

إن الطريق إلى مستقبل أكثر إشراقًا للشباب، سواء في ألمانيا أو بين شباب مغاربة العالم، يتطلب في تصورنا مشاركة فعالة وتواصلًا حقيقيًا مع صانعي القرار والدخول في مجالس الحكامة وتسهيل عملية انخراطهم في البرامج الوطنية المتعددة حيث يجب على المجتمعات والمؤسسات تقديم الدعم اللازم لتطوير مهارات هؤلاء الشباب وزيادة ثقتهم بأنفسهم ليصبحوا عناصر فاعلة في بناء مستقبل مشرق ومتوازن، يجمع بين طموحاتهم وهويتهم الثقافية المتنوعة.
ــــــــــــــــــ
* استاذ باحث في قضايا الدين والثقافة والهجرة
استاذ محاضر بالمدرسة العليا للعلوم الاجتماعية التطبيقية بكولونيا
مستشار في قضايا الاندماج والتربية والتعليم لدى هيئات تعليمية ومدرسية ولائية بألمانيا

رابط مختصر

اترك تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *


شروط التعليق :

عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.