محمد عسيلة*
تُعتبر تجربة الشباب المغربي في ألمانيا نموذجًا يعكس التحولات الثقافية والاجتماعية المعقدة التي يمر بها المهاجرون المسلمون في أوروبا. يواجه هؤلاء الشباب، أثناء محاولتهم التكيّف مع مجتمعهم الجديد، تحديات متعددة تشمل البحث عن الهوية والانتماء، والتوفيق بين الموروث الثقافي والديني والتوقعات الاجتماعية الجديدة.
وفي هذا السياق تلعب المساجد دورًا محوريًا في حياة الشباب المغربي في ألمانيا، حيث تُعتبر المساجد مكانًا للعبادة والتعليم الديني واللقاء والتلاقي والترفيه واستجلاب الطاقات الروحية والإيمانيّة والتشرب الثقافي، وأيضًا مركزًا للتواصل الاجتماعي. غير أن هذه المساجد تواجه تحديات متزايدة في مواكبة تطلعات الشباب، حيث قد لا يجد العديد من هؤلاء الشباب في المساجد التي يتم تسييرها بطرق تقليدية محافظة لم تدمج الشباب في تسييرها بما يتوافق مع اهتماماتهم وطموحاتهم “مكانا” يستفيد من خبراتهم ويحتضنهم.
بالرغم من أن بعض المساجد تسعى لتوفير برامج وأنشطة تلبي احتياجات الشباب، إلا أن العديد من الشباب – حسب المعاينة الشخصية – يشعرون بأن المساجد تركز بشكل أكبر على الجوانب الدينية دون تقديم مساحة كافية للمناقشات الثقافية والاجتماعية التي تهمهم.
من ناحية أخرى، تشكل التنظيمات الشبابية خارج المساجد مجالًا حيويًا للشباب المغربي، حيث يجدون فيها بيئة داعمة تُلبي تطلعاتهم الاجتماعية والثقافية. توفر هذه التنظيمات منصات للتعبير عن الذات والمشاركة في الأنشطة الاجتماعية والثقافية والسياسية، مما يساعد الشباب على بناء هوية أقوى والانخراط في المجتمع. وتلعب المنصات الرقمية ووسائل التواصل الإجتماعي دورا طلائعيا في هذا الاستقطاب وفي تشكيل هذه التنظيمات.
غالبًا ما يكون الدافع وراء انخراط الشباب في هذه التنظيمات هو البحث عن هويتهم الدينية والثقافية، بالإضافة إلى الحاجة إلى الدعم الاجتماعي والانتماء وإيجاد مساحات تتوفر فيها مساحات من الحرية في النقاش والتفكير والجدل والمناقشة وتبادل الاراء. ومع ذلك، تواجه هذه التنظيمات تحديات مثل التطرف أو صعوبة التواصل مع الجيل الاول من المسلمين / مغاربة العالم، مما يؤثر على قدرتها على تحقيق تأثير إيجابي في المجتمع.
وعليه، يتطلب الوضع الراهن نهجًا متوازنًا من المساجد والتنظيمات الشبابية على حد سواء. فمن ناحية، تحتاج المساجد إلى إعادة التفكير في دورها وتطوير برامج وأنشطة تستجيب لتطلعات الشباب، مما يمكن أن يعزز من انخراطهم ومشاركتهم. ومن ناحية أخرى، يجب على التنظيمات الشبابية خارج المساجد التركيز على تعزيز الفهم الصحيح للإسلام والمساهمة في تعزيز الحوار بين الثقافات والعودة إلى المساجد للاشتغال من داخلها ودعمها وتسخير الكفاءات للرفع من قيمة وتأثير أدوارها في التعليم والتواصل وتشبيك العلاقات مع المؤسسات الألمانية وغير ذلك كثير.
ولا يفوتنا التذكير هنا ان لتأثير التنظيمات الشبابية خارج المساجد أوجه إيجابية، حيث يمكن لهذه التنظيمات أن تسهم في كسر الصور النمطية والإسلاموفوبيا من خلال التواصل الفعال مع المجتمع المحلي وتقديم فهم صحيح للإسلام والمسلمين كجزء لا يتجزأ من المجتمع الألماني. ومع ذلك، هناك مخاوف من أن تؤدي هذه التنظيمات إلى تعميق العزلة أو الانجراف نحو التطرف، مما يستوجب الحذر والمتابعة المستمرة.
ان رحلة الشباب المغربي في ألمانيا تعكس تحولًا اجتماعيًا وثقافيًا هامًا يتطلب المزيد من الدراسة والتحليل. إذ يمثل هؤلاء الشباب جزءًا مهمًا من المجتمع الألماني، وتفاعلهم مع المساجد والتنظيمات الشبابية يشكل تحديًا وفرصة لتشكيل الهوية والإسهام في التعايش الإيجابي في المجتمع.
ومن هنا، يبقى الموضوع مثيرًا للمتابعة المستمرة، لفهم أعمق لتأثيره على المجتمع الألماني وتشكيل الهوية الدينية والثقافية للشباب المسلمين وخدمة الديبلوماسية الدينية والثقافية بشكل راقي يحافظ على الوحدة بين مغاربة العالم دون خلق بنيات تصادمية او شاذة قد تحدث او تخلق لنا جميعا هواجس لا تُحمد عقباها من قبيل الميل إلى التطرف او التنكر للهوية الأصل: وهذان قطبان متنافران علينا جميعا السعي إلى البحث عن الطريق الوسط لكي يبقى المغاربة أوفياء لأصولهم، مدافعين على ثوابت دينهم وتدينهم وانتمائهم واندماجهم الصحيح في المجتمع الالماني، محافظين على سلمه ومصالحه ودستوره.
ــــــــــــــــــــ
* استاذ باحث في قضايا الدين والثقافة والهجرة
استاذ محاضر بالمدرسة العليا للعلوم الاجتماعية التطبيقية بكولونيا
مستشار في قضايا الاندماج والتربية والتعليم لدى هيئات تعليمية ومدرسية ولائية بألمانيا
المصدر : https://dinpresse.net/?p=20980