21 أبريل 2025 / 16:01

السلفية الجهادية وأزمة تراجع المواكبة البحثية

عبد الفتاح الحيداوي

شهدت الساحة الفكرية والبحثية خلال العقود الماضية اهتمامًا بالغًا بظاهرة السلفية الجهادية، حيث أُنتجت كتب ودراسات وندوات حاولت مقاربة هذه الظاهرة من زوايا مختلفة، بعضها ركز على الجذور العقدية والفكرية، وبعضها الآخر اهتم بالسياقات السياسية والاجتماعية التي أسهمت في بروز التيارات الجهادية. غير أن المتتبع للمشهد البحثي المعاصر يلاحظ تراجعًا ملحوظًا في تناول هذه الظاهرة، سواء من حيث الكم أو من حيث العمق التحليلي.

أولًا: التحول من التفكيك إلى التبسيط
كانت الدراسات الجادة في السابق تحاول تفكيك بنية الخطاب السلفي الجهادي من الداخل، انطلاقًا من نصوصه المرجعية، وآلياته التأويلية، وطرائقه في بناء الحجاج الشرعي، فضلًا عن فهم رموزه وتاريخ تطوره. أما اليوم، فإن معظم الكتابات التي تتناول الظاهرة أصبحت تتعامل معها من الخارج، عبر منظور أمني صرف، يختزل الظاهرة في بُعدها العنيف فقط، دون مساءلة منطلقاتها النظرية أو بنيتها المعرفية.

ثانيًا: غياب المراكز المتخصصة وتراجع الاهتمام الأكاديمي
شهدت بداية الألفية طفرة في تأسيس مراكز بحثية متخصصة في دراسة الحركات الإسلامية عمومًا، والسلفية الجهادية خصوصًا. غير أن هذه المراكز إما أُغلقت أو تحوّلت إلى مراكز تحليل سياسي أكثر من كونها مراكز معرفية نقدية. كما أن الجامعات والمؤسسات الأكاديمية قلّصت من تمويل الأبحاث المتعلقة بهذه الظاهرة، ربما بسبب حساسيتها السياسية أو لاعتبارات تتعلق بالأمن القومي.

ثالثًا: القراءة الأمنية بوصفها عائقًا معرفيًا
القراءة الأمنية، على الرغم من أهميتها في بعض السياقات، لكنها جزء من القراءات وليس مجملها، خاصة أنها تتعامل مع الجماعات الجهادية بوصفها تهديدًا يجب احتواؤه أو القضاء عليه، لا بوصفها منتوجًا فكريًا معقدًا له منطق داخلي وخطاب متماسك ضمن شروطه المرجعية. وبالتالي، فإن هذه المقاربة تُقصي البُعد الإيديولوجي والتأويلي، وتغيب عنها الأسئلة المعقدة والمتعلقة بالخطاب الجهادي.

رابعًا: الحاجة إلى دراسات “من الداخل”
إن أي محاولة لفهم الظاهرة الجهادية ينبغي أن تنطلق من مساءلة منطقها الداخلي: كيف يبرّر الجهادي فعله؟ ما هي مصادر شرعيته؟ كيف ينتج النص ويفسره؟ ما العلاقة بين التراث السلفي الكلاسيكي وبين التأويل الجهادي الحديث؟ هذه الأسئلة لا يمكن مقاربتها إلا من خلال أدوات تحليل معرفية، لا أدوات تفكيك استخباراتية.

إن عودة الجهد البحثي الرصين إلى دراسة الظاهرة السلفية الجهادية ليست ترفًا فكريًا، بل هي ضرورة لفهم أحد أكثر التيارات تأثيرًا في العالم الإسلامي المعاصر. وليس المقصود التبرير أو التبني، بل الفهم والتفكيك والنقد من داخل البنية، لا من خارجها. فالفكر لا يُهزم إلا بفكر أقوى منه، لا بخطاب أمني معزول عن جذور الظاهرة.