بقلم د. سالم الكتبي
أحد أبرز الأحداث الإقليمية التي جرت مؤخراً يتمثل في اللقاء الذي جمع في الرياض بين ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان ووزير الخارجية الإيراني حسين أمير عبد اللهيان، حيث تحدثت جميع التقارير عن أجواء ودية وإيجابية ترجمتها بالفعل التصريحات الثنائية، التي طغى عليها التفاؤل بشأن مستقبل العلاقات وكذلك الأمن والاستقرار الإقليمي.
المتغير الأساسي في هذا الشأن يتعلق بالجانب الإيراني الذي يبدو أنه بات على يقين بأنه لا مناص من تحسين علاقاته مع دول الجوار الخليجية والسعي لتحقيق الأمن والاستقرار ونزع فتيل التوترات بشكل فعلي معها من أجل ضمان أمن واستقرار إيران نفسها.
وأحد أهم مقومات استمرار هذا النهج الجديد في علاقات القوتين الكبيرتين إقليمياً هو قناعتهما المشتركة بأنه لا بديل عن إدارة العلاقات الثنائية مع دول الجوار من خلال الحوار والتعاون المشترك، بديلاً عن الصراع والتوترات التي كان يعتمد عليها الجانب الإيراني طويلاً لاثبات نفوذه وترسيخ هيمنته الاقليمية.
فهم بيئة الصراع الجديدة ومعطياتها وقواعد اللعبة الإقليمية كان ضرورياً من أجل خروج إيران من شرنقة العزلة والصدام، والقبول بقواعد التنافس والشراكة لمواجهة أي تحد أو حتى ما تعتبره تهديداً استراتيجياً لها، وهذه مسألة مهمة للغاية في إدارة شبكة العلاقات الإقليمية بين جميع الدول، بما فيها إسرائيل، التي أكد ولي العهد السعودي من قبل أنها ليست عدواً لبلاده، بل و”حليف محتمل”، ولعل التقارب الحاصل مع طهران يؤكد قطعاً لصانعي السياسة الإيرانية أن المملكة العربية السعودية تبحث عن الأمن والاستقرار الإقليمي، وتدرك تماماً أن تحقيق الطموحات التنموية الكبرى التي تخطط لها القيادة السعودية يصعب تحقيقه في أجواء إقليمية تطغى عليها التوترات ويغيب عنها الإستقرار، فضلا عن أن المملكة العربية السعودية لا تنخرط في تحالفات أو تنضم إلى جبهات هدفها إثارة التوترات وإشعال الحروب، وأن هدفها الحيوي المؤكد يتمثل في تحقيق الأمن والاستقرار والدفاع عن مصالح شعبها وتحقيق تطلعاته التنموية.
سواء كان التقارب السعودي ـ الإيراني تقارب حقيقي أم تكتيكي كما تقول بذلك بعض التقارير الإعلامية، فهو بالأخير تقارب بين قوتين إقليميتين كبيرتين يخلق مساحة جديدة للحوار والتفاهم والبحث عن الإستقرار في منطقة من أكثر مناطق العالم أهمية وحساسية، والأهم من التقارب من وجهة نظري، كمراقب، هو ترجمة القناعات وتحويلها إلى قرارات تتعلق بتسوية الملفات الإقليمية المسببة لكل هذه التوترات التي تعانيها دول المنطقة، والأمر الإيجابي أن وجود الحوار وقنوات الإتصال الرسمية المفتوحة بين الرياض وطهران يمثل بحد ذاته عنصر تفاؤل بإمكانية التوصل إلى حلول وتفاهمات حول أي قضايا خلافية آنية أو مستقبلية.
العالم يتغير من حولنا، والخبر الجيد أن الشرق الأوسط يتغير أيضاً، وهناك مياهاً كثيرة جرت في قنوات الماضي البعيد والقريب، وشواهد ذلك عديدة: تنقية أجواء العلاقات التركية مع المملكة العربية السعودية والإمارات، والتقارب بين طهران والرياض، والجهود الأمريكية الحثيثة لإستكمال مسار تطبيع العلاقات بين إسرائيل وجيرانها العرب، بتوقيع إتفاق سلام بينها وبين السعودية، وهناك أيضاً تهدئة للصراع الدائر في اليمن، ونأمل أن تدفع هذه الأجواء الجديدة باتجاه ايجاد حلول للأوضاع في سوريا ولبنان.
لم يكن ذلك كله ليحدث لولا أن نهج القيادة السعودية قد اعتمد إستراتيجية التواصل وفتح قنوات الإتصال والتعاون مع الجميع وتصفير المشاكل مع الجميع من دون استثناء، وهذا كله يسهم في وجود شرق أوسط جديد ينطلق من رؤى واقعية بعيدة عن الشعارات والمزايدات وتجار الحروب.
السعودية الجديدة توظف أدوات ومكامن قوتها وتأثيرها ونفوذها بشكل ذكي وفعّال للغاية، وهذا ما أدركته إيران جيداً، وتسعى إلى التماهي مع هذا التوجه السعودي بدلاً من سياسة الصدام التي انتهجتها سابقاً لسنوات وعقود، لذا فإن التغيير قد طال الجميع بحكم تغير الظروف ومعطيات البيئة الدولية، ومن المهم أن ننتبه جيداً إلى ما قاله السفير الإيراني المعين حديثاً لدى المملكة علي رضا عانيتي، الذي رافق وزير خارجيته خلال لقاء الأخير مع نظيره السعودي الأمير فيصل بن فرحان، حيث قال إن “عودة العلاقات بين البلدين ستكون لها تأثيرات مهمة على الإستقرار وثقافة الحوار في منطقة الشرق الأوسط”، وهنا أشير إلى تعبيرين مهمتين في تصريحه وهما الإستقرار وثقافة الحوار، وهما أكثر ماتحتاجه المنطقة بالفعل كي تمضي للإمام، ونأمل أن يكون لدى طهران إدراك واستيعاب حقيقي لمتطلبات تحقق هذين الأمرين على أرض الواقع، فهي أكثر من يدرك متطلبات تحقيق الإستقرار، وكيفية الإعتماد على الحوار وترسيخ ثقافته في منطقة غاب عنها طويلاً وتسبب في العديد من الأزمات والإشكاليات القائمة.
المصدر : https://dinpresse.net/?p=20524