السعودية وإعادة تعريف القوة الناعمة: تحول استراتيجي بعيدا عن السلفية

دينبريس
دراسات وبحوث
دينبريسمنذ 4 ساعاتآخر تحديث : الإثنين 23 ديسمبر 2024 - 1:13 مساءً
السعودية وإعادة تعريف القوة الناعمة: تحول استراتيجي بعيدا عن السلفية

نشرت مؤسسة كارنيغي للسلام الدولي مقالا للباحث هشام الغنام، تناول فيه التحولات الجوهرية التي تشهدها المملكة العربية السعودية في سياستها الخارجية.

ووفقا للمقال، تعمل المملكة على إعادة صياغة قوتها الناعمة من خلال تقليص دعمها للسلفية، في خطوة تهدف إلى تعزيز علاقاتها الدولية ومواكبة المتغيرات العالمية، مع الحرص على تقليل المخاطر المحتملة لهذا التوجه الجديد.

وشهدت المملكة، بقيادة ولي العهد الأمير محمد بن سلمان، سلسلة من الإصلاحات التي ركزت على الحد من تأثير التيارات السلفية المتشددة داخل المجتمع السعودي، وتأتي هذه الإصلاحات ضمن مسعى أوسع لتعزيز الاعتدال الديني وتبني نهج أكثر توافقا مع القيم العالمية الحديثة.

ويشير المقال إلى أن هذا التحول جاء في سياق مواجهة الانتقادات المتزايدة بشأن ارتباط بعض التعاليم السلفية بالتطرف، ومن خلال تقليص دعمها للسلفية، تسعى المملكة إلى دحض الاتهامات المتعلقة بدعم التطرف، مع التركيز على تعزيز الأمن الداخلي والاستقرار الإقليمي.

وترتبط جذور التحالف بين آل سعود والداعية محمد بن عبد الوهاب بتاريخ تأسيس الدولة السعودية في عام 1727، وقد وفر هذا التحالف شرعية دينية للحكم السعودي، مما منح العلماء نفوذا بارزا في الشؤون السياسية.

وخلال العقود الأخيرة، تحولت السلفية إلى أداة فعالة لتعزيز القوة الناعمة للمملكة، خاصة بين عامي 1982 و2005، حيث استثمرت السعودية بشكل مكثف في نشر الفكر السلفي عالميا من خلال تمويل المساجد والمدارس وتقديم المنح الدراسية.

ومع ذلك، بدأ ولي العهد منذ تعيينه نائبا لولي العهد في عام 2015 بتنفيذ إصلاحات عميقة، تبلورت لاحقا في رؤية 2030. وركزت هذه الرؤية على تنويع الاقتصاد، تقليل الاعتماد على النفط، وتعزيز حقوق المرأة، وتطوير قطاع الترفيه.

وتضمنت الإصلاحات أيضًا تقليص الدعم للمؤسسات السلفية والابتعاد عن استخدام الدين كأداة للسياسة الخارجية، وشملت الخطوات العملية إغلاق أكاديمية الملك فهد في بون بألمانيا عام 2017، والتخلي عن إدارة مسجد بروكسل الكبير.

ويحذر المقال من أن هذا التحول قد يقلل من قدرة المملكة على توجيه الخطاب الإسلامي عالميا، ما قد يفسح المجال أمام قوى أخرى مثل إيران والجماعات المتطرفة لملء الفراغ، كما أشار إلى احتمال حدوث ردود فعل من بعض الجماعات السلفية التي قد تنظر إلى هذه التغيرات باعتبارها تراجعا عن القيم الدينية، مما قد يؤدي إلى تصاعد التوترات.

ورغم هذه المخاطر، تواصل المملكة دعم بعض الجماعات السلفية عسكريا وسياسيا، خاصة في اليمن، مما يعكس مقاربة براغماتية للحفاظ على المصالح الاستراتيجية.

ولمواجهة هذه التحديات، تبنت السعودية استراتيجيات بديلة لتعزيز نفوذها، شملت الاستثمار في القطاعات الاقتصادية والبنية التحتية والترفيه، ومن الأمثلة على ذلك استثمارات المملكة في مشروع العاصمة الإندونيسية الجديدة “نوسانتارا”، وشراء نادي نيوكاسل يونايتد الإنجليزي، كما أنشأت مراكز للحوار بين الأديان، مثل مركز الملك عبد الله للحوار، لتعزيز التفاهم الديني وتقديم صورة أكثر اعتدالًا للإسلام.

ويخلص المقال إلى أن التحول السعودي عن السلفية يمثل إعادة تقييم شاملة لاستراتيجية المملكة في استخدام الدين كأداة للقوة الناعمة.

ومن خلال تبني نهج أكثر انفتاحا واعتدالا، تهدف السعودية إلى تقليل التطرف وتعزيز التماسك الإسلامي، مع تحسين مكانتها الدولية، ورغم التحديات، تراهن المملكة على نجاح رؤيتها المستقبلية من خلال تحقيق التوازن بين التأثير الديني والاقتصادي وبين الانفتاح والتحديث.

رابط مختصر

اترك تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *


شروط التعليق :

عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.