“الذباب الإلكتروني” أو “الجيش الإلكتروني” سلاح نفسي في فضاء رقمي

ذ محمد جناي
آراء ومواقف
ذ محمد جناي16 نوفمبر 2020آخر تحديث : الإثنين 16 نوفمبر 2020 - 9:52 صباحًا
“الذباب الإلكتروني” أو “الجيش الإلكتروني” سلاح نفسي في فضاء رقمي

محمد جناي
شكلت وسائل التواصل الاجتماعي في العصر الحالي فرصة كبيرة لتبادل الآراء و الأخبار والمعلومات، وكسرت احتكار وسائل الإعلام التقليدية المتمثلة بالصحف والإذاعات وقنوات التلفاز، وأصبحت عاملا أساسيا في تشكيل اتجاهات الرأي العام ،فالجميع يذكر قبل انتشار وسائل التواصل الاجتماعي كيف كان كثير من الشعوب – ونحن في المغرب منها – مرتبطين بعدد محدود من الصحف ووسائل الإعلام الرسمية ، وهي التي كانت تتحكم بتوجهات الرأي العام؛ وكثيراً ما كانت تخفي بعض الأخبار والمعلومات أو تقلل من أهميتها، وذلك فيما كان يطلق عليه ب”التعتيم الإعلامي” وبالمقابل تبرز بعضها وتضخمه، بما يتناسب مع توجهاتها وسياساتها،الأمر الذي انتهى بعد ثورة الاتصالات وظهور منصات التواصل الاجتماعي المجانية والمتاحة للجميع، فتحولت إلى قنوات إعلامية للأفراد والأحزاب المستقلة ، واستخدمها الجميع من دون استثناء في تبادل الأخبار ونشر الوعي والمعلومات بما يعود بالفائدة على الجميع.

ومن أجل ديمومة سياسة تعويض مايطلق عليه” بالتعتيم الإعلامي “نهجت بعض الدول البعيدة كل البعد عن الديموقراطية والحريات ، وخصوصا تلك التي كانت تمتلك وتتحكم بوسائل الإعلام التقليدية، لاستغلال هذه المنصات، من خلال إنشاء آلاف الحسابات المزيفة والوهمية لبث الإشاعات والأخبار الزائفة، والانتقام من الخصوم والمعارضة الحقيقية وتشويه سمعتهم، وهو ما اصطلح على تسميته بـ«الذباب الإلكتروني».

فالذباب الإلكتروني مصطلح يقصد به الحسابات الوهمية غير الحقيقية، وعادة ما تكون بالآلاف، تدعمها بعض الدول وبعض الجهات التي تخاف على ثرواتها وامتيازاتها بهدف نشر أخبار ومعلومات كاذبة، وتسعى من خلالها لضرب الخصوم السياسيين، وتشويه صورتهم، وتزييف الحقائق، ونشر الأكاذيب، بهدف التأثير في الرأي العام وإحداث اضطرابات اجتماعية وقلاقل سياسية، فإذن مايطلق عليه بالذباب الإلكتروني أو الجيش الإلكتروني ، هو مصطلح حديث في عالم الإعلام الرقمي، يقصد به الحسابات الوهمية على مواقع التواصل الاجتماعي الموجهة من قبل مبرمجين مختصين لشن حملات إعلامية ممنهجة ضد أشخاص أوكيانات أو دول.

وهذه “الجيوش الإلكترونية” قديمة قدم الإنترنيت، بل إنها امتداد محتمل لما دشنه “غوبلز” وزير الدعاية لدى هتلر، فالمتغير هو الوعاء والشكل، فيما الجوهر واحد، يتحدد في “قولبة” الرأي العام وتغيير اهتماماته ومواقفه، بالشكل الذي يتسق مع الخلفيات الموجهة للقائمين على هذه الحروب الإلكترونية

فالجيوش الإلكترونية مجموعات مدربة تعمل وفق أجندة خاصة هدفها اختراق مواقع الخصوم، والترويج لوجهة نظر معينة عبر مختلف منصات الإنترنت، وإسكات وتشويه سمعة المناوئين، إلى جانب ترويج الإشاعات والأكاذيب وخلق البلبلة، وقد بدأت الدول في إنشاء وحدات إلكترونية داخل أجهزتها العسكرية والأمنية لحماية أمنها القومي.

وكأمثلة على ذلك ما نراه من مقاطع مرئية منزوعة من سياقها من خلال القطع والبتر ولو تتبعت بعضها لوجدتها منشورةً منذ سنوات ماضيات أحياها شخصٌ ما لغرض ما.

وكم نرى من فتاوى لا تستند على دليل قوي تجوب منصات التواصل الاجتماعي فتزيغ بها قلوب بعض الناس، أو يفرح بها متصيدون من خلال مقطع صغير لشيخ وافر الوقار واللحية مغمور الحال والعلم.

وكم ترى من صورٍ تم التلاعب بها، ثم دونت تحتها معلومة خاطئة أو عبارة تحريضية ضد فئة أو جماعة أو جملة تثير العصبيات الدينية أو القبلية أو القومية، يتلقفها الدهماء يشعل بها ثائرة الغوغاء.

في الواقع قضية الذباب الإلكتروني باتت اليوم أحدث الطرق والوسائل المتبعة لتحقيق أهداف سياسية أو اجتماعية أو اقتصادية تنال من الطرف المستهدف بنحو فادح، تبدأ المسألة بتدوينة أو تعليق لا تلبث بعد حين من الوقت أن يتم تبنيها من قبل مجموعة أو مجموعات على مستوى المعمورة، ثم بعد ذلك تبدو كقضية رأي عام، ثم تتطور المسألة لتتبناها الحكومات والأنظمة وجهات أخرى التي ربما رعت منذ البداية الذبابة الأولى وتعهدتها بالاهتمام وبذلت المال سخيا لكي تنمو وتترعرع ولتغدو قادرة على الطيران إلى آماد لا يتخيلها العقل وهو ما يجب أن نعقله ولا ندع لمثل هؤلاء المجال لكي يتدخلوا في شؤوننا.

رابط مختصر

اترك تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *


شروط التعليق :

عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.