
لطالما كان التفاعل بين الدين والدولة قضية حساسة في مختلف أنحاء العالم، حيث تسعى الدول لتحقيق توازن بين احترام حرية المعتقد والحفاظ على مبادئ الحياد الديني. في أوروبا، كما في إفريقيا، يثير النقاش حول مكانة الدين في المجال العام العديد من التحديات، خاصة في ظل التغيرات الديموغرافية وتنامي التنوع الثقافي والديني. ومع تصاعد الحديث عن الإسلام والمسلمين في الخطابات السياسية والاجتماعية في كلا القارتين، تتزايد التساؤلات حول مستقبل العلاقة بين الدين والدولة في سياقات متعددة تتراوح بين السياسات العلمانية الصارمة والنماذج الأكثر مرونة في التكيف مع الممارسات الدينية المختلفة.
في نيجيريا، أثار قرار بعض حكام الولايات الشمالية بإغلاق المدارس لمدة خمسة أسابيع خلال شهر رمضان قلقًا واسعًا حول احترام الطابع العلماني للدولة وضمان حقوق جميع المواطنين. وقد عبّر مؤتمر الأساقفة الكاثوليك في نيجيريا عن مخاوفه بشأن هذا القرار، مؤكدًا أن إغلاق المدارس لفترة طويلة لا يمس فقط الطلاب المسلمين، بل يؤثر أيضًا على الطلاب المسيحيين والمدارس التي تديرها مؤسسات مسيحية، مما يطرح تساؤلات جوهرية حول مبدأ حياد الدولة تجاه الأديان. وأشار الأساقفة إلى أن المادة العاشرة من الدستور النيجيري تنص بوضوح على عدم تبني أي دين كدين رسمي للدولة، وهو ما يعزز من الطابع العلماني للبلاد ويضمن لجميع المواطنين حرية ممارسة معتقداتهم دون تمييز.
هذا الجدل في نيجيريا يعكس صورة مشابهة لما يحدث في بعض الدول الأوروبية التي تواجه تحديات في إدارة العلاقة بين الدين والمجال العام. في فرنسا، مثلًا، تُطبَّق اللائكية بصرامة تمنع الرموز الدينية في المدارس والمؤسسات الرسمية، مما يثير جدلًا متكررًا حول مدى احترام حرية المعتقد. في المقابل، تتبنى دول مثل ألمانيا والمملكة المتحدة نهجًا أكثر مرونة، حيث يتم تدريس الدين في المدارس الحكومية بطرق مختلفة، ويُمنح للمؤسسات الدينية دور في الحياة العامة، لكن مع إبقاء الدولة على مسافة واضحة لضمان الحياد تجاه جميع الأديان. ومع ذلك، فإن الجاليات المسلمة في أوروبا تواجه في كثير من الأحيان تحديات متزايدة فيما يتعلق بالاعتراف الرسمي بمؤسساتها الدينية، أو بقدرتها على ممارسة شعائرها بحرية ضمن الإطار القانوني للدولة، وهو ما يؤدي إلى نقاش مستمر حول مدى توافق بعض الممارسات الدينية مع القوانين الوطنية التي تعطي الأولوية لقيم الديمقراطية وحقوق الإنسان.
النقاش حول الإسلام والمسلمين في أوروبا يأخذ أبعادًا مختلفة، حيث تتداخل العوامل الدينية مع القضايا السياسية والاجتماعية. في بعض الأحيان، يُستخدم الدين كأداة في الخطاب السياسي، خاصة من قبل التيارات اليمينية التي تثير مخاوف من أسلمة المجتمعات الأوروبية أو من تأثير المسلمين على الهوية الوطنية. هذا الأمر يخلق توترًا بين مبادئ الحرية الدينية التي تكفلها الدساتير الأوروبية، وبين النزعات المتشددة التي تسعى إلى فرض قيود على بعض الممارسات الإسلامية، مثل ارتداء الحجاب أو بناء المساجد. في الوقت نفسه، يشعر المسلمون في أوروبا بأنهم تحت المجهر، حيث يتم التركيز على قضاياهم بطرق لا تُطبَّق بالضرورة على أتباع الديانات الأخرى، مما يساهم في شعورهم بالتمييز أو بعدم الاندماج الكامل في المجتمعات التي يعيشون فيها.
الأمر لا يختلف كثيرًا في إفريقيا، حيث تواجه بعض الدول تحديات مشابهة في إدارة التنوع الديني. نيجيريا، كونها دولة متعددة الأديان، تجد نفسها في مواجهة مستمرة بين الرغبة في الحفاظ على توازن بين المسيحيين والمسلمين، وبين تصاعد النزعات الدينية التي تسعى إلى فرض رؤى دينية معينة على سياسات الدولة. إغلاق المدارس خلال رمضان ليس إلا مثالًا واحدًا على هذه الإشكاليات، حيث يرى البعض أن مثل هذه القرارات تعكس تأثيرًا متزايدًا للدين على السياسات العامة، بينما يرى آخرون أنها جزء من الاعتراف بالهوية الدينية لمجتمع معين. غير أن هذا النقاش لا يجب أن يكون مقتصرًا على المخاوف المتعلقة بالإسلام فقط، بل ينبغي أن يكون جزءًا من نقاش أوسع حول كيفية احترام جميع الأديان وضمان حرية المعتقد دون المساس بالمبادئ الدستورية للدول.
في ظل هذه التحديات، تبرز الحاجة إلى نماذج أكثر توازنًا في التعامل مع العلاقة بين الدين والدولة، سواء في أوروبا أو إفريقيا. الحلول لا تكمن في فرض العلمانية الصارمة التي قد تؤدي إلى تهميش الجماعات الدينية، ولا في تقديم تنازلات واسعة قد تهدد مبادئ الديمقراطية وحقوق الإنسان. بدلاً من ذلك، يجب البحث عن سياسات تضمن حرية المعتقد للجميع، مع الحفاظ على وحدة المجتمع والتماسك الاجتماعي. الحوار بين الأديان، وتعزيز قيم المواطنة المشتركة، ووضع أطر قانونية واضحة تُراعي التعددية الثقافية والدينية، هي بعض الأدوات التي يمكن أن تساعد في تحقيق هذا التوازن.
المستقبل لا يزال يحمل العديد من التحديات فيما يتعلق بعلاقة الدين بالدولة، خاصة مع استمرار النقاشات حول قضايا مثل التعليم الديني، والرموز الدينية في المجال العام، والاعتراف بالممارسات الدينية المختلفة.
في كل من أوروبا وإفريقيا، سيبقى السؤال الأهم: كيف يمكن للدول أن تحافظ على طابعها المدني دون أن تفرض قيودًا غير ضرورية على حرية المعتقد؟
هذا التحدي يتطلب رؤية متوازنة تأخذ في الاعتبار الحقوق الأساسية للجميع، مع احترام التعددية الدينية والثقافية التي أصبحت سمة من سمات المجتمعات الحديثة.
المصدر : https://dinpresse.net/?p=23872