16 مارس 2025 / 11:47

الدين والجنس: ثنائية الخصوصية والتجربة الفردية في حياة الإنسان

كريمة العزيز
يعتبر الدين والجنس من أكثر المواضيع حساسية في المجتمعات، إذ يرتبط كلاهما بتجربة فردية عميقة، ومع ذلك يخضعان لتدخلات اجتماعية مستمرة تحدّ من حرية الأفراد في عيشهما وفق قناعاتهم الشخصية.

فكما أن العلاقة بين الإنسان وربه تجربة روحية داخلية لا تحتاج إلى وساطة أو إثبات خارجي، كذلك هي العلاقة بالجسد والرغبة، حيث تُبنى وفق تكوين الفرد النفسي والثقافي دون الحاجة إلى مصادقة أو تقييم مجتمعي.

ومع ذلك، نجد أن المجتمع يسعى إلى فرض نماذج ثابتة للتدين وللممارسة الجنسية، متجاهلًا أن كلا المجالين ينبعان من حرية شخصية لا يمكن اختزالها في إطار واحد يناسب الجميع.

التدين تجربة ذاتية تعكس علاقة الإنسان بوجدانه، حيث يعيش إيمانه في خلوته، بعيدًا عن أعين الآخرين أو أحكامهم. وعندما يصبح التدين خاضعًا للرقابة الاجتماعية، فإنه يتحول من تجربة روحية إلى التزام شكلي، يخضع لمقاييس ظاهرية لا علاقة لها بجوهر الإيمان. فهل يجب على الإنسان أن يثبت تدينه للمجتمع؟ وهل الإيمان الحقيقي يحتاج إلى اعتراف خارجي ليكون مقبولًا؟

وعلى الجانب الآخر، ترتبط التجربة الجنسية أيضًا بالخصوصية الفردية، حيث يعيش كل إنسان ميوله ورغباته بناءً على وعيه الذاتي ونشأته وثقافته. ومع ذلك، نجد أن الجنس يخضع بدوره للوصاية المجتمعية، حيث يتم تصنيف العلاقات والرغبات وفق معايير أخلاقية واجتماعية قد لا تعكس بالضرورة تنوع التجربة البشرية.

وبينما يربط البعض بين الدين والأخلاق الجنسية، فإن هذا الربط غالبًا ما يؤدي إلى فرض قيود تحدّ من حرية الأفراد في تحديد هويتهم الحميمية وفقًا لقناعاتهم الشخصية.

السؤال الذي يطرح نفسه هنا: لماذا يُطالب الإنسان بإعلان تدينه أو ميوله الجنسية حتى يكون مقبولًا في المجتمع؟ ولماذا يتم التعامل مع هذين المجالين وكأنهما شأن عام يجب أن يخضع لمعايير جماعية؟

في الحقيقة، العلاقة مع الله والعلاقة مع الجسد كلاهما شأنان شخصيان لا يحتاجان إلى موافقة الآخرين، بل إلى مساحة من الحرية والاحترام المتبادل. وعندما يُجبر الأفراد على الإفصاح عن قناعاتهم الروحية أو رغباتهم الخاصة، فإن ذلك لا يعكس سوى مجتمع لا يحترم حق الفرد في تجربة حياته بشكل مستقل.

المجتمعات التي تحترم الإنسان لا تفرض عليه نمطًا موحدًا للإيمان أو للعلاقات الحميمية، بل تتيح له المجال ليعيش تجربته الفردية بحرية، في إطار من الاحترام المتبادل دون تدخل أو وصاية. فلا يجب أن يتحول الدين إلى أداة رقابية، كما لا ينبغي استخدام الجنس كساحة للأحكام المطلقة.

إن تحقيق توازن عادل بين الحرية الفردية واحترام القيم المجتمعية يتطلب وعيًا بأن الاختلاف هو طبيعة إنسانية، وبأن لكل فرد الحق في تقرير مصيره الروحي والجسدي دون قمع أو تمييز. وحين ندرك أن أساس التعايش هو احترام التنوع، سنقترب من مجتمع أكثر عدلًا وإنسانية، حيث تُحترم الخصوصية الفردية كحق أساسي لا يقبل المساومة.
ـــــــــــــــــــــ
KL/SEXOLOGUE CLINICIENNE CERTIFIÉE