نادية عطية
شهدت الدراسات الديكولونيالية انتشارا واسعا في بلداننا العربية الاسلامية، وزادت راهنيتها ربما مع أحداث العدوان على غزة. تقدم الدراسات الديكولونيالية على انها وعي جذري بماهية الاستعمار لكن بغض النظر عن قيمتها المعرفية و”الثورية” قد يكون لها دور ملتبس، حيث انها تشعر الجنوبيين بالراحة بدل اشعارهم بالقلق ولهذا اجدني مضطرة إلى استبدال الشغف الذي لازمني لسنوات وأنا أبحث فيها، قناعة مني بدور الاستعمار في تأبيد التخلف والتبعية، الى نوع من الانزعاج بحيث قد يتهيأ لي احيانا ان تجاوز التأخر قد يعوض فقط بإلغاء مفهوم التأخر. جاءت الهزيمة الكبرى لأحسم معها امري واعيد النظر، فعلى كل حال تجاوز التأخر لن يكون الا بمواجهة أسباب التأخر وتجاوز الهزيمة لن يكون بإلغاء مفهوم الهزيمة أو تكييفه بل بالانعتاق الحقيقي وتجاوز اسباب القابلية للاستعمار وللتبعية. القلق والانزعاج يشعل الأسئلة. أسئلة سأحاول صياغتها بوضوح قبل ان احاول الاجابة عنها.
إذا ما عرفنا جوهر المدرسة بانه محاولة لتصفية الاستعمار، هل حقا تعتبر الدراسات الديكولونيالية جديدة؟ وهل السؤال الذي شغل مفكرينا منذ أكثر من قرن (لماذا تأخرنا نحن وتقدم غيرنا) مختلف جذريا؟ هل حقا الدراسات الديكولونيالية تحقق الثورة ضد إبستيمولوجيا الشمال على حد مفاهيمها ام هي على العكس من ذلك منتوج غربي خالص واستيلاء على الفكر ما بعد الحداثي الغربي؟ هل بلدان الجنوب كلها متماثلة وهل يمكن اسقاط الدراسات الديكولونيالية الأمريكولاتينية على واقعنا المغربي والعربي الاسلامي عموما؟ هل هي حقا محاولة للانعتاق ام تكريس للعجز ومحاولة لإثبات الذات بالطريقة الخطأ؟ ثم الا يمكن القول انها دراسات لا تاريخية بحيث انها تنكر فعل التاريخ؟ هل حقا يمكن اعتبارها تقدما وتجاوزا لسؤال التأخر والتقدم ام على العكس من ذلك، بدل البحث عن تجاوز التأخر أصبح الإقرار به واقعا لا يجوز مساءلته بإلغاء ثنائية التقدم والتأخر؟ الم يكن هذا السؤال سؤالا صلبا يوافق واقعا صلبا عنوانه الغرب الصلب والشرق الذي كله امل في الانعتاق، بينما أسئلة الديكولونيالية تبقى مرتبطة أساسا بواقع غربي مأزوم يسير نحو الهزيمة والانهيار وجنوب عاجز؟ ألا يمكن اعتبارها عنصرية مضادة بحيث تلغي تفاعل الثقافات والحضارات؟
منذ أيام، شاهدت صورة للرئيس الصيني وهو يشارك في الدعاية لجعل الذكاء الصناعي محور التعليم في الصين وأثارني أن الورقة مكتوبة بالإنجليزية وليس بالصينية. لم يتساءل الصينيون لماذا تأخرنا وتقدم غيرنا، بل ربما سالوا فقط لماذا تأخرنا حيث إنهم لم يكونوا مشغولين بهويتهم وبمن “نحن” بقدر ما كانوا منشغلين أكثر بمنجزهم وبما عليهم فعله.
لم ينشغل الرئيس الصيني بلغة ورقة الدعاية بقدر ما كان مشغولا بالمضمون أكثر، بينما ستجد ديكولونياليا عربيا أو إسلاميا قد يسمي هذا انسلاخا أو تعبيرا عن الهيمنة المتغلغلة فينا. سرحت بمخيلتي وتساءلت وقد تذكرت الكلمات العربية التي تشعرني بالفخر وأنا أدرس دروس الجبر بالفرنسية، ترى هل فكر الفرنسيون في أصل هذه الكلمات وهل عليهم اقتلاعها بنفس المنطق. عرجت على فيديو حول مواد الاخلاق، وتعليم الحياة التي يتعلم فيها الاطفال اليابانيون كيف يعتنون بنظافة مدارسهم وكيف يزرعون أي نبتة في حديقة المدرسة، يرعونها طوال مدة دراستهم وتحمل اسماءهم، هل فكر اليابانيون مثل طه عبد الرحمان في تميزهم الاخلاقي عن الغرب، وهل كتب الصينيون الكتب عن نزوعهم إلى الحماية بدل الغزو والاستعمار مثلما يحكي سور الصين العظيم؟ لا أدري، لكن الواضح أنهم كانوا مشغولين بأشياء أخرى أهم وأجدى.
لعلي قد اظهرت توجهاتي في الاجابة منذ البداية لكنني سأرجئ الجواب الصعب وسأختار أن أستدعي مفكرين مغربيين قد يبدوا متناقضين لكنها منشغلان بسؤال الانعتاق وتحقيق الذات كل واحد بطريقته، عبد الله العروي وطه عبد الرحمان أو بالأحرى عبد الله العروي ام طه عبد الرحمان.
إن كان طه عبد الرحمان قد يقدم على انه مفكر ديكولونيالي إسلامي، فإني أعلن منذ البداية أن عبد الله العروي بالنسبة لي أقرب إلى الديكولونيالية. ديكولونيالية مغربية بما هي تحقيق الذات ونزع الاستعمار وتجاوز واقع التبعية، وهذا ما سوف نفصل فيه مع المقال القادم.