محمد عسيلة، أستاذ باحث في الهجرة والدين و الثقافة
في المغرب وفي 100 دولة في العالم رفرف علم المملكة عاليا وهتفت حناجر مغاربة العالم الى جانب أخواتهم وإخوانهم داخل الوطن بالنشيد الوطني وشعارنا الخالد: الله – الوطن – الملك.
في مائة دولة في هذا العالم الشاسع التقى مغاربة العالم مع أصدقائهم وجيرانهم وزملائهم في الشغل والدراسة بالجامعة وفي المقاهي والنوادي وهم مبتهجون، فرحون، مسرورون بهذا النصر الذي حققه الفريق الوطني أسود الاطلس على الفرق التي قابلوها بروح رياضية وايمان بهذا الوطن الجميل. العالم كله الى جانب هذا التلاقي المباشر لمغاربة العالم في مائة دولة للملايين من المواطنين والمواطنات يتابع من كل أنحاء هذا الكوكب الازرق بدولة قطر العلم المغربي يرفرف وأسود الاطلس يزأرون في الملاعب القطرية بنفحة الأطلس والريف والصحراء ويحرزون هذا النصر بفضل الله سبحانه وتعالى.
في مائة دولة كانت الديبلوماسية الموازية في هذه الثقافة الرياضية تتكلم وتحاضر وتترافع بهدوء وتبين للعالم أن المغرب بخير وأبناءه وبناته ولله الحمد بخير وأن المغرب وراء القيادة الرشيدة لأمير المؤمنين صاحب الجلالة الملك محمد السادس نصره الله وأيده بخير، له إشعاع وله من المؤهلات ما يجعله يستعيد قيادة الدول العربية والاسلامية والافريقية الى بر الأمان.
قد لا نجازف في طرحنا هذا: نتكلم بصدق وبوعي ودون أنانية أو شوفينية ونحن نعرف من نحن.
حسب إحصائيات لوزارة الجالية فإن 85 في المئة من مغاربة العالم يقيمون في أوروبا، وأن 70 في المئة من هؤلاء تقل أعمارهم عن 45 سنة، و20 في المئة منهم ولدوا في بلدان الإقامة: وهذا ما يبين أن لنا رأسمال لا مادي خارج أرض الوطن، طاقات وكنز إنساني جعلتنا هذه المناسبة الكروية التي بينت “تمغربيت” الحقيقية التي يحملها كل المغاربة في قلوبهم ان نستعيد التفكير في هذه الشريحة بجدية.
إن جلالة الملك محمد السادس نصره الله وفي العديد من خطبه الملكية السامية اختار إشراك هذه الجالية المُشكَّلة أكثر فأكثر من فسيفساء بشرية تزخر بغناها وتنوعها في ميثاق الثورة الدائمة للملك والشعب.
إن الخطاب الملكي الأخير بمناسبة ثورة الملك والشعب تضمن إشارات قوية تروم الحفاظ على علاقة هيكلية مع هذه الجالية، التي تمثل 18 في المائة من المغاربة، والملتحمة حول مبادئ الفخر والتضامن والدفاع اللامشروط عن الوحدة الترابية، وبشعور قوي ونادر بالانتماء،
أعضاء الفريق الوطني أبانوا وعدد منهم من مغاربة العالم بينوا بجلاء بأن أبناء وبنات هذا المغرب يتوحدون تحت العلم المغربي وبحب وبعشق لهذا الوطن بشعارنا الخالد: الله -الوطن -الملك ، للدفاع المستميت عنه في الرياضة والثقافة والسياسة والاقتصاد، في الهنا والهناك، في المنتديات والمؤتمرات الدولية وفي مائة دولة في هذا الكون الجميل: المغرب حضر وحاضر بامتياز بأبنائه وبناته وبكل الاجيال.
لهذا الحدث الرياضي والعالم يتابع بطولة كأس العالم ما بعده. مغاربة العالم يُفعِّلون الرياضة كديبلوماسية موازية وهي أداة من أدوات الإشعاع الدولي والقدرة على التنافس. وعلى هذا الأساس، تحتل الرياضة الى جانب الثقافة والدين موقعًا مهمًا في الدبلوماسية الاقتصادية ودبلوماسية التأثير بشكل عام، وتستنفر جميع دوائر الدول لطاقاتها من أجل تعزيزها. ولهذا علينا صياغة خطة عمل تديرها وكالات ثقافية في بلاد المهجر لتدبير هذه الديبلوماسية الثقافية والرياضية والدينية.
وفي هذا السياق ثمن السيد الامين العام لمجلس الجالية المغربية الدكتور عبد الله بوصوف توصية إحداث وكالة ثقافية موجهة لمغاربة العالم وما ستوفره من انفتاح ثقافي ودعم لصورة المغرب في العالم، وتمكين الثقافة المغربية من الانفتاح على الثقافات العالمية وجعل عناصرها قابلة للتسويق على الصعيد الخارجي.
إننا واعون بالرهانات والتحديات الجيوسياسية، الاقليمية والأورومتوسطية والمغاربية والعالمية والقارية حيث يواجه المغرب، قد نقول حملة شرسة وهجمات داخل مناورات مفتعلة وأحيانا ممنهجة، متنوعة المسارات والمصادر، تستهدفه في استقراره، في جماله، في وحدته الترابية، ومكانته وسيادته ورمزيته في الذاكرة والوجدان والمخيلة العربية والإفريقية والإسلامية. محاولات التشويش كثيرة ومتعددة من أجل إضعاف رصيده وثقله السياسي والديني والتقليل من الأدوار الطلائعية التي يلعبها في العالم من أجل السلام والاستقرار والانسجام ورفاهية الشعوب.
فبهذه القوة الناعمة التي يتوفر عليها المغرب داخل أبنائه وبناته مغاربة العالم من رئاسة وثقافتك وعلم وصناعة وتدبير وحنكة وحكمة ووجود واندماج وتفاعل في المجتمعات الاوروبية والافريقية والأسبوعية والكندية والامريكية، أقول بهذه القوة الناعمة يشكل المغرب قلعة مانعة وممتنعة على الخصوم مهما تعددت وتقوت شوكتهم؛ تبقى مناورات ساذجة تروم تبرير فشلها داخل أنظمة رجعية وعسكرية وديكتاتورية، ما يدفعها للانخراط في خطط لفرملة مسيرة المغرب كقوة إقليمية صاعدة بشمال إفريقيا، وكآخر قلعة حصينة يحتمي بها الحلم المغاربي والاورومتوسطي والافريقي.
إن المؤسسة الملكية عماد هذه القوة الناعمة، حيث ينفرد المغرب منذ قرون بمؤسسة ملكية عريقة على مستوى العالم ككل، وتمثل ركيزة للإجماع الوطني بواسطة روابط البيعة المتوارثة عبر الأجيال.
فبهذا العرس الرياضي الذي ساهم فيه أسود الأطلس في قطر بالفرجة وصنعوا للعالم الحر والصديق الفرحة أعادوا لمن فقدوا الذاكرة أن المغرب قوي وله مكانة رمزية وروحية بهذه المؤسسة الملكية المتمثلة في شخص الملك كأمير للمؤمنين، يجعل هذا المغرب بديبلوماسية رجالاته في المؤسسات وديبلوماسية مغاربة العالم محط احترام وتقدير عالمي.
وفي ذلك فليتنافس المتنافسون.
المصدر : https://dinpresse.net/?p=19199