زعيم الخيرالله
تبرزُ -اليومَ – وَبَشَكْلٍ غيرِ مسبوقٍ ، ظاهرةُ بروزِ النَّزَعاتُ القَبَلِيَّةِ في وطننا العربيِّ خصوصاً ليبيا والعراق. الكثيرون يدعونَ الى تحجيم القبيلَةِ ، بل يدعون الى الغائها. انا لاأدعو الى الغاء القبيلَةِ ؛ لانَّ هذا أَمرٌ غيرُ مُمْكنٌ ؛ فالقبيلةُ مُكَوَّنٌ اَساسيٌّ في مجتمعاتِنا وخصوصاً مجتمعنا العراقيِّ.
وهنا لابُدَّ لي من التفريقِ بينَ القبيلَةِ والقَبَلِيِّ. القبيلةُ كَمُكَوَّنٍ اعترفَ بهِ القرانُ الكريم يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ). (الحجرات 13). وامير المؤمنين علي (ع) دعا المرءُ الى اكرامِ عشيرتهِ: (وأكرم عشيرتك فإنهم جناحك الذي به تطير، وأصلك الذي إليه تصير، ويدك التي بها تصول).
القبيلةُ كمكونٍ مُجتَمعيّ لامشكلةَ فيها ؛ ولكنَّ المشكلَةَ في القبليّةِ كطريقةِ تفكيرٍ ومعايير في تفضيل الناس وتقسيمهم الى سادةٍ وغير سادةٍ ؛ لانَّ النَسَبَ لايَصْلُحُ معياراً في التفضيلِ ؛ لانّهُ امرٌ اعتباريٌّ مفروضٌ .
لااَحَدَ منّا اختار نسبهُ وأباهُ وامَّهُ ، وبَلَدَه وقوميتَهُ ولونَ عينيهِ ، هذه لاتصلح معايير للتفضيل بين الناس ؛ لانها غير اختيارية ومعاييرُ التفضيلِ لابدَّ ان تكون اختياريّة ليست مفروضةً على الانسانِ ؛ ولذلك جعل الله معيار التفضيل والاكرمية هو التقوى: ( ان اكرمكم عند الله اتقاكم ). لانَّ التقوى قيمة حقيقية اختياريّة وليست من الاعتباريات.
نحنُ نُريدُ للقبيلةِ أنْ تأخذَ حجمها الطبيعي ، وتؤدي دورها المناط به ، ولاتتجاوز حدودها وتتغول لتبتلع الدولة. وظيفةُ القبيلة ان تسهم في استقرار المجتمع وحل المشكلات التي لم تستطع الدولة حلها . نريد من القبيلة ان تكون مُجْتَمَعاً اهليّاً ولااقول مدنيّاً ؛ لان ذلك ليس بامكان بنية القبيلة ونمط تفكيرها ان تنتجه. ان تكون مجتمعاً اهليّاً رديفاً للدولة يُعَلِّمُ افرادَهُ احترامَ القانونِ وحرمةَ المالِ العامِ.
القبيلة جزءٌ من كل ، الدولة كلٌ جامع والقبيلة جزء من هذا الكل . ترسيم هذه الحدود بين القبيلة والدولة ضروريٌّ جداً. وظيفةُ الدولةِ الاحتكارُ المشروعُ لِلكُلِّيِّ الجامعِ ، الدولةُ تحتكرُ السلاحَ وتحددُ للقبيلةِ حُدوداً وشُروطاً في استخدامِ السلاحِ ، والدولة تحتكر المال لتدير شؤونها وتضع حدوداً واجراءات تنظيمية للشركات واصحاب المشاريع في تحديد امورها الماليّة ضمن الحدود القانونيّة ، والدولة مسؤولة عن تحديد البرامج والمناهج التعليميّة ، وتحدد للمدارس والكليات الاهلية الضوابط والشروط القانونية ؛ حتى لاتتجاوز هذه الاجزاء حدودها وتلتهم الكل.
لابدَّ ان تبقى الدولةُ تمثّلُ الكُلِّيِّ الجامع في الاحتكار المشروع والقانوني للسلاح والتعليم ، وان لايتجاوز الجزء حدوده ، القبيلة لاتتجاوز الحدود القانونيّة في استخدام السلاح والاموال والموارد الاخرى ؛ لكي لاتتغول القبيلة وتبتلع الدولة.
وفي الختام لاننسى الدور الذي لعبته قبائلُنا في العراقِ في التاريخ في تحرير البلد من الاحتلال الاجنبي وتاسيس الدولة العراقية، ووقوفها في وقتنا الحاضر في التصدي المشرِّفِ لداعشَ وتحريرِ البلدِ من هيمنتِها وتخلفِها بفضل فتوى المرجعية الرشيدة.
نحن مع ان تاخذ القبيلةُ دورَها ولكن لامع تَغَوّلِها وتجاوزها لحدود القانون ولاان تكونَ اقوى من الدولة. نريدُ للقبيلةِ ان تكونَ رديفاً للدولةِ لا ان تكونَ دولَةً داخل دولة. نريدُ للقبيلَةِ ان تكون داعمةً للدولة في تطبيق القانون واستقرار المجتمع.
المصدر : https://dinpresse.net/?p=13387