متابعة الدكتور: يوسف الحزيمري “عدل موثق، وأستاذ باحث”
ألقى الدكتور “عبد الكريم بكار” مساء يوم الجمعة 04/11/2022م، بمقر حركة التوحيد والإصلاح بحي المحيط بالرباط، محاضرة في موضوع: {سمات الوعي الحضاري ومقوماته}، وفي البداية قدم مسير المحاضرة ورقة تعريفية بالمحاضر باعتباره من ألمع المفكرين ذوي الإنتاجات الغزيرة، والحضور الوازن في مجالي الفكر الإسلامي والدعوة.
بعدها تناول المحاضر الكلمة ليحدد النقاط التي تحتاج إلى وعي بحسب ذكره، والتي سوف يعالجها في محاضرته، كما هو منهجه في كتاباته والتي يعالج فيها المواضيع في مفردات يحددها.
وقبل عرضه لتلك النقاط أو المفردات قدم تعريفا للوعي، وأنه الإدراك العميق للذات والمحيط، وأن الوعي الحضاري هو الإدراك العميق للحالة الحضارية وما يكتنفها من المشكلات والعوائق وقضاياها المختلفة التي تقف عقبة في طريق النهضة.
بعدها عرض لمفردات الوعي الحضاري ومقوماته بدءا بالنقطة الأولى وهي:
1 ـ الوعي التاريخي: باعتباره مدخلا لفهم الواقع الحضاري، ذلك أن ما من شيء إلاّ وله تاريخ بحاجة إلى قراءة وسطية، لا هي عدوانية بإخراج أسوء ما فيه، ولا هي عاطفية تنحو إلى جلد الذات والوقوف عند سؤال لماذا توقفت الحضارة الإسلامية؟، وهنا أحال المحاضر على كتابه “التاريخ .. كيف نفهمه ؟ وكيف نستفيد منه”، وهو قراءة للذخائر التاريخية في الحضارة الإسلامية بحسب قوله.
وهنا أكد على ضرورة استحضار مركزية الإسلام في مسألة النهضة وجعلها في قلب تفكيرنا وخططنا وتطلعاتنا بما أننا عبيد لله نرجو رضاه والجنة، وكيف نعي ونتجاوز صعوبة الحركة بالمنهج الرباني، أما فهم المنهج فهو أسهل.
2 ـ تفهم حاجات الإنسان: حيث أننا من خلال النهضة -يقول المحاضر- نريد خدمة المسلمين، وهؤلاء لهم حاجات ينبغي فهمها والوعي بها قبل تلبيتها، متسائلا: ماذا تريد الشعوب من حكوماتها؟ مجيبا أنها عند مقارنة حاجاتها بالآخر فإنها تريد القدر المعقول والمقبول الذي يجانس طبيعتهم وطموحهم وكرامتهم، وذلك أن تكون حكومتهم برضى منهم مع قدر مقبول من الحرية والعدالة والتجاوب مع القيم التي يؤمنون بها وتحقيق الأمن والاستقرار والازدهار الاقتصادي، فكل حاكم يوفر هذه الأمور بالقدر المرضي فهو مرضي عنه بقطع النظر عن سلوكه الشخصي، لأن القوة والأمانة هما المطلوب في الشرع، وهنا أورد جواب الإمام أحمد بن حنبل حين سُئِلَ: عَنْ الرَّجُلَيْنِ يَكُونَانِ أَمِيرَيْنِ فِي الْغَزْوِ، وَأَحَدُهُمَا قَوِيٌّ فَاجِرٌ وَالْآخَرُ صالح ضعيف، مع أيهما يغزى؛ فَقَالَ: أَمَّا الْفَاجِرُ الْقَوِيُّ، فَقُوَّتُهُ لِلْمُسْلِمِينَ، وَفُجُورُهُ عَلَى نَفْسِهِ؛ وَأَمَّا الصَّالِحُ الضَّعِيفُ فَصَلَاحُهُ لِنَفْسِهِ وَضَعْفُهُ عَلَى الْمُسْلِمِينَ. فَيُغْزِي مَعَ الْقَوِيِّ الْفَاجِرِ.
3 ـ النقد الذاتي: هو الذي يعطي المشروعية، لأننا ونحن نفكر ونخطط، يجب أن نضع استدراكات على ذلك كله حينما نجد فجوة بين النظرية والتطبيق عندها ينبغي المراجعة والنقد، وهنا وقف عند فكرة “مأسسة الشورى” لأنه لم يعد هنا الاكتفاء والجمود عند قراءة العوامل الجوهرية التي أدت إلى انهيار الحضارة، لأنه قد مضت الأمور بصلاح الناس، كما وقف عند فكرة “مأسسة المساءلة”، فليس أحد فوقها محيلا على ما ورد في القرآن الكريم من عتاب لرسول الله في عشرة مواضع مفادها إرسال رسالة بأنه لا يجوز أن يكون شخص فوق المساءلة لأنه بذلك يصير قبة يجتمع تحتها المفسدون.
4 ـ الإنسان الحضاري: إن نهضة الإسلام ليست نهضة عمرانية بالدرجة الأولى، بل الإنسان هو المركز فيها، وبالنظر إلى ما تنزل من القرآن الكريم في الفترة المكية والمدنية نلحظ ذلك التوجه البارز إلى بناء الإنسان المسلم عقيدة وأخلاقا واستعدادا للمآل، لأننا إذا بنينا الإنسان الصالح فإننا نسير في الطريق الصحيح، وهنا أورد قصة بناء الخريطة كمثال على أن بناء الإنسان هو بناء العالم.
5 ـ لا تتسع مرحلة سابقة لمرحلة لاحقة: ومثّل بذلك بلباس الصغير ومقاسه، فإنه لا يصلح لذات الشخص إذا شب وكبر، وكذلك النظم والإجراءات والوسائل والترتيبات والأوليات فهي قابلة للتغيير والجمود عليها تجميد للأصول.
6 ـ إن هناك دائما فرصة لعمل شيء ما: أما ارتباك الوعي المتمثل في مقولة: “ما نريده ليس ممكنا، وما هو ممكن لا نريده”، مثل هذا القول يؤدي إلى نتيجة مفادها إجازة مفتوحة، بل إننا إذا شرعنا في العمل صار ما هو مستحيل اليوم ممكن إذا، لأن العمل يوسع دائرة الممكن، وهنا أورد مثالا عن العمل التطوعي في أمريكا [فحسب الإحصائية الرسمية من موقع Volunteering in America المتخصص في نشر الإحصائيات عن العمل التطوعي في أمريكا فإنه في عام ٢٠١٥م لوحده بلغت ساعات التطوع ما يقارب ٨ مليار ساعة تطوع شارك فيها ٦٣ مليون متطوع بمعدل ١٢٧ ساعة للمتطوع الواحد في السنة وهو ما يعني تطوع ساعتين ونصف فقط في الأسبوع. والنقطة الجوهرية في الموضوع أن قيمة هذه الساعات التطوعية قُدرت بحوالي ١٨٤ مليار دولار].
7 ـ نسبية ما لدينا ولدى غيرنا من الخير والشر: حيث أن بعض القيم الإيجابية والأخلاقية متوفرة عند الكفار أكثر مما هي موجودة عند المسلمين مثل العدل وإيصال الحقوق إلى أصحابها، وهنا ينبغي أن لا نغتر بما لدينا، وأن نستفيد ونتعلم ونقتبس من غيرنا.
8 ـ المرونة في استيعاب الاختلاف: حيث أكد المحاضر على أن كل الأعمال الحضارية الدعوية والإصلاحية قائمة على الاجتهاد؛ ومن ثم إمكانية الخطأ والصواب، “إذا حكَمَ الحاكمُ فاجتَهَدَ فأصابَ؛ فله أجْرانِ، وإنْ أخطَأَ؛ فله أجْرٌ”.
9 ـ تعزيز الروح الوطنية: بما أن الاختلاف سنة كونية، فإننا ينبغي أن نبدع في إيجاد أطر ووسائل وأدبيات للعيش المشترك، بمعنى أن نعيش مع بعضنا ونحن مختلفين، ونثمن نجاح أي كان باعتباره نجاح لنا جميعا، وأن نعمل على تعزيز التفاهمات.
10 ـ تدعيم الجانب الروحي: كل شيء مادي فإننا متقدمون فيه، إلا الجانب الروحي فإننا نتعثر فيه، أو نتجمد، أو نتقدم فيه بشكل بطيء، حيث أصبحنا أكثر دنيوية وفقدنا الصلة المقدسة بالله تعالى والقرب منه واستحضار معيته، وهنا أشار إلى فكرة أننا ينبغي أن نقف دقيقة ونحن نعمل نثني فيها على الله تعالى ونحمده ونناجيه ونسأله ونطلب منه، فإذا تكرر هذا الأمر أربع أو خمس مرات في اليوم، يفتح ذلك الحياة الشعورية للمؤمن.
المصدر : https://dinpresse.net/?p=19035