منتصر حمادة
هل يمكن الجمع بين الدفاع عن الوحدة التربية لدولة عربية ما، مقابل الدفاع عن تفكيك الدول العربية؟
هذا السؤال من وحي قراءة تفاعلات مواقع التواصل الاجتماعي، في الساحة المغربية بالتحديد، مع الحملة الرقمية التي تقودها عدة حسابات، محلية وإقليمية، ضد الدولة المصرية، وواضح أن بعض هؤلاء لا يفقرون أساسا بين مفاهيم الدولة والنظام والحكومة، وهذا شأنهم في نهاية المطاف، لكن بالنسبة لصناع القرار، هذه التفاعلات ليست بالهزل، لأنها غنية بالدروس والخلاصات، وبيان ذلك كالتالي، دون التفصيل أكثر.
هناك أربعة تيارات على الأقل، انخرطت في هذه الحملة، مع تجديد التأكيد أن الحديث هنا يهم الحسابات الرقمية في مواقع التواصل الاجتماعي المغربية:
ــ نجد أولا الحسابات الرقمية التي ينتمي أصحابها إلى المرجعية الإسلامية الحركية، وخاصة المرجعية الإخوانية، سواء تعلق الأمر بالحركة المعترف بها رسميا، أي حركة “التوحيد والإصلاح” أو الجماعة غير المعترف بها رسميا، أي جماعة “العدل والإحسان”.
ــ هناك ثانيا الحسابات التي كان أصحابها في مرحلة سابقة، من أتباع الحركات الإسلامية نفسها، وبالرغم من ذلك، انخرطت نسبة من هؤلاء، في شيطنة الدولة المصرية، ومن خلاصات تفاعل هذا التفاعل، تزكية فرضية سبق أن اشتغلنا عليها من قبل، مفادها أن الانفصال عن تنظيم إيديولوجي ما، لا يفيد بالضرورة الانفصال النظري، وما أكثر الأمثلة في هذا السياق. صحيح أننا نجد عدة حالات لأسماء توفقت في الجمع بين الانفصال النظري ونظيره التنظيمي، لكنها إجمالا، تبقى أقلية.
ـ نأتي للتيار الثالث، ويهم أقلاما لا علاقة لها تنظيمية بأي مرجعية إسلامية حركية، لكنها تفكر بالأفق النظري نفسه للتفكير الإسلامي الحركي، وتُصف في خانة الرأي العام التي تأثر بخطاب الأسلمة، ومنها ما اشتغلنا عليه من قبل، ونقصد ظاهرة “أسلمة مخيال الرأي العام”، أي إنه من فرط تعرض الرأي العام للقصف النظري الصادر عن المشاريع الإسلامية الحركية، سلفية وهابية كانت أو إخوانية أو غيرها، طيلة عقود مضت، وصل الأمر إلى أن هذه النسبة من الرأي العام، أصبحت “جيشا احتياطيا” في الحملات الانتخابية، ما دامت تفكر قبل وبعد تلك الحملات بالإبستيم الإسلامي الحركي.
ــ بقي أمامنا تيار رابع، ويهم المرجعية اليسارية، حيث عاينا انخراط بعض هؤلاء في الحملة نفسها، وخاصة ما يُصطلح عليه بـ”اليسار الإسلامي”، وبالتحديد “يسار الإخوان”، لأن “اليسار الإسلامي” موزع بدوره على عدة تيارات، كما هو الحال على سبيل المثال مع تفرعات الظاهرة في الساحة الفرنسية: لا يمكن الجمع بين باسكال بونيفاس وألان غريس وفرانسوا بورغا في خانة واحدة، فالأحرى إضافة ميشيل فوكو، عندما تورط في الدفاع عن نظام الملالي الإيراني، قبل تراجعه لاحقا.
نأتي لإحدى تبعات هذه الحملة، لأن الأمر كما سلف الذكر، يعج بالدروس والخلاصات، فقد وصل الأمر إلى أن القيادي محمد إلهامي، أحد مؤسسي “حركة الميدان” التابعة لجماعة “الإخوان المسلمين” المصرية، وجّه دعوة على إحدى الفضائيات إلى الجيش الإسرائيلي من أجل احتلال صحراء سيناء، لأن تحقق ذلك يصب في مصلحة الثورة، قائلا بالحرف “من علامات نجاح الثورة هو احتلال البلاد، وأن إسرائيل ستحتل سيناء إذا سقط النظام في مصر”، زاعما أن “ذلك هو أمر جيد على المدى البعيد”؟ [الرجل بالمناسبة من قيادات الإخوان المسلمين في الخارج، وهو يقيم حاليا في تركيا، ويقدم نفسه بوصفه مؤرخ تاريخي، وله كثير من المواقف المثيرة للجدل التي ترى في احتلال تركيا لليبيا فتح ونصر عظيم]، وهي التصريحات التي تذكرنا بما صدر في 22 فبراير 2011، عن الشيخ يوسف القرضاوي، مخاطبا قوات المارينز الأمريكية، لكي تسقط نظام العقيد الليبي معمر القذافي، على شاشة فضائية الجزيرة.
المثير في مرجعية بعض الحسابات المنخرطة في هذه الحملة، أن بعض هؤلاء، يزعم الدفاع عن الوطن والمواطنة، بل الدفاع عن الوحدة الترابية للمملكة المغربية، والحال أننا إزاء ما يُشبه مفارقة، مفادها صعوبة الجمع بين الدفاع عن الوحدة التربية لوطنك، مقابل الدفاع عن تفكيك وطن عربي من أوطان المنطقة المهدد بتبعات “الفوضى الخلاقة” التي اندلعت في أحداث 2011.
لا يمكن الجمع بين متناقضين، إلا إن كان الفاعل المعني، يعاني من ازدواجية ما، أو ينهل إيديولوجيا من مشروع يعادي الأوطان أو شيء من هذا القبيل.
صحيح أنه حرٌ في تبني هذه الازدواجية أو النهل الإيديولوجي من تلك الإيديولوجيات، لكن، حينها، لا يمكن المزايدة على الرأي العام بخطاب المواطنة والوطنية والإصلاح وما جاور هذا الخطاب.