ادريس عدار
ليست المرة الأولى التي أكتب فيها عن دعاة التنوير الزائف. مجموعة من الكتاب يشتغل الإعلام على تصنيفهم ضمن “المفكرين التنويريين”. وما زال التحدي مرفوعا في وجههم: أين هي الكتابات التأسيسية للفعل التنويري لدى هؤلاء الكتاب؟ من خلال التتبع لسنوات تبين أن دعاة التنوير لدينا في المغرب لا يختلفون عن غيرهم في البلدان العربية. وقعنا في سقوط حر. من مفكرين كبار إلى كتبة الإنشاء. لديهم منهج سهل وبسيط وهو كلما قال دعاة الوهابية وغيرها شيئا انتفض هؤلاء ليقولوا عكسه. أهذا هو التنوير لديكم؟
في كثير مما يكتبون خدمة كبيرة للفكر السلفي المتطرف. لأنهم لا يؤسسون لفكر قادر على التفاعل مع باقي الأفكار للجواب عن أسئلتنا المحرجة. بالعكس من ذلك لا يجيبون عن سؤال سوى الاختفاء وراء العلم. لكن أي علم؟
عندما حلت جائحة كورونا عاد “التنوير الزائف” للظهور. وضع الدعاء مقابل الدواء. وهذه مغالطة كبيرة. وبدل أن يواجه الدعاء ويعتبره خرافة كان على دعاة التنوير أن يقوموا بـ”تفجير” النص المقدس من الداخل وإنتاج المعنى قصد إقناع المواطن بأن بقاءه في المنزل عمل ديني كبير. لم ير المثقف التنويري سوى المسجد كفضاء لإيواء المشردين. لكن بعد التدقيق يتبين أن الأمر لا يتعلق بعمل خيري ولكن بمواجهة للمكان. سيكون على حق لو بقيت هذه الفضاءات وحدها فارغة. بينما عشرات المباني خالية اليوم.
لا يمكن وضع الدعاء مقابل الدواء. فالتنوير يفرض أن يتم استثمار الدعاء في مواجهة التطرف. الدعاء مقابل القسوة. الدين ليس في مقابل العلم. قد يكون الدين حافزا للإنتاج كما يمكن أن يكون عامل تخلف. كما كان الدين عاملا للمواجهة في مرحلة الاستعمار يمكن أن يكون عاملا لمواجهة التخلف. ويكفي أن لاهوت التحرير انطلق من عملية تثوير للنص الديني من أجل التحرر من الاستبداد.
ذهب كثير من فلاسفة العلم إلى أن المعتقدات هي بداية العلم. فالعلم السوي، حسب توماس كون، هو الذي يقوم على أساس مراكمة المنجز العلمي، والبناء على ماضي العلم، أي البناء على نموذج إرشادي. لكن كل فلاسفة العلم يؤمنون بالطفرة. ما موقف المفكر التنويري من الطفرة؟ هل هي بنظره غير علمية؟ ما موقف دعاة التنوير الزائف من كوبيرنيكوس؟ هذا الذي أبدع شكلا جديد في الرؤية الفلكية معتبرا الشمس هي مركز الكون؟ ألم يكن قسا؟
إذن لا يمكن وضع الدعاء مقابل الدواء. لكن المفكر التنويري الزائف لم يتحدث عن العلم والطب كإديولوجية. هل يعتقد أن العلم مستقل عن الفكر؟ متى كانت الصناعة الدوائية مستقلة؟ وهل يوجد طب دون فلسفة؟
المفكر التنويري الزائف مهموم فقط بمواجهة الثقافة المحلية. لكن لا يتحدث عن نادي العلم الغربي المغلق، الذي يرفض أي تمرد من خارجه. وجوهر الصراع اليوم هو ظهور قوى من خارج هذا النادي استطاعت أن تدخل مرحلة الصناعة التأسيسية دون تقليد. لم يجبنا المفكر التنويري عن فلسفة الدواء؟ وعن الطب الامبريالي؟ وأنه لا يوجد علم مستقل وتقنية دون إديولوجية.
خلق تعارضات غير حقيقية هو خدمة للتطرف. ولا يختلف المفكر التنويري الزائف عن داعية السلفية. ما الفرق بين داعية التنوير الذي يعتبر كل ما هو محلي متخلف وبين داعية السلفية الذي يعتبر ما هو غربي جاهلي؟
Source : https://dinpresse.net/?p=7971