محمد أومليل
رجل اجتمع فيه ما تفرق في غيره، بحكم اطلاعه الواسع المنفتح على التراث الإنساني والأديان والطوائف والمذاهب الفلسفية والطرق الصوفية ونزعته الإنسانية؛ عصي عن التصنيف، بقدر ما منح مجموعة صفات عالية وراقية بقدر ما نعت بأوصاف وضيعة وقبيحة.
علي شريعتي إيراني شيعي من مواليد سنة 1933، (قتل بلندن، سنة 1977، بعد إطلاق سراحه من السجن وسفره إلى لندن وبعد ذلك ببضعة أسابيع تمت تصفيته ودفن في مقام السيدة زينب بالشام)، من أسرة مشهورة بالعلم أبوه من كبار العلماء (محمد متقي شريعتي كان مناضلا سياسيا)، مفكر فيلسوف عالم اجتماع حاصل على الدكتوراه من السوربون في تاريخ الأدب الفارسي يتقن عدة لغات؛ فرنسية إنجليزية فارسية عربية مهتم بتاريخ الأديان والفلسفة والأيديولوجيات والفكر الغربي والإسلاميات، من ضمن أساتذته، بعد أبيه العالم المفكر المثقف، جلبرت لازارد وأبو الحسن فروغي بشكل مباشر، وآخرون من خلال الكتب، مثل: هيغل، كارل ماركس، جان بول سارتر، لويس ماسينيون، أبو ذر الغفاري، جمال الدين الأفغاني، محمد إقبال؛ لذلك كان واسع الاطلاع عصيا عن التصنيف!
مثل هؤلاء الموسوعيين يمتلكون منهجا متعددا؛ “منهج مركب”، ومن ضمن تلامذته الإيرانيين؛ عبد الكريم سروش ومحمد مجتهد شبستري، ومن العرب؛ حسن حنفي وأصحاب اليسار الإسلامي؛ مثالا لا حصرا. له عدة مؤلفات في مجالات متعددة أغلبها لها علاقة بالدين زاخرة بمفاهيم القرآن ومصطلحاته ومعانيه ومقاصده الكبرى.
من ضمن الكتب التي لها شهرة واسعة:
– النباهة والاستحمار، العودة إلى الذات، دين ضد دين، بناء الذات الثورية، وكتاب التشيع العلوي والتشيع الصفوي، وهو كتاب جلب له عداوة من قبل أغلب علماء الشيعة، اتهم بسببه من قبلهم بالوهابي المتسنن والزنديق، إلى غير ذلك من التهم والسباب والشتم واللعن.
كان يدعو الشيعة إلى التخلص من التشيع الصفوي والتحلي بالتشيع العلوي، وكان يدعو السنيين إلى التخلص من التسنن الأموي والتحلي بالتسنن المحمدي.
كان منفتحا ومعتدلا ومنصفا تجاه الخلفاء الراشدين لا سيما عمر بن الخطاب يصفه بالحاكم العادل!
بالإضافة إلى كتب أخرى مثل:
– طريق معرفة الإسلام، الإسلام والإنسان، سيماء محمد، الأمة والإمامة، الإمام علي،الحسين وارث آدم، الإمام السجاد، الحج: الفريضة الخامسة (تجربته الشخصية في الحج)، الدعاء، الشهادة.
استخدم علي شريعتي القرآن الكريم مصدرا لتصوره وأفكاره الثورية بغية تحقيق عدالة اجتماعية وكرامة آدمية وسياسة ديمقراطية وقيم روحية ونزعة إنسانية وإسلام كوني، حيث سعى إلى قراءة جديدة للقرآن مستلهما منه بعض المفاهيم مثل؛ الاستخلاف، الاستكبار، الاستضعاف، الجهاد، الاستشهاد، إلى غير ذلك من المفاهيم القرآنية.
من طبيعة علي شريعتي اجتناب الاستدلال القرآني بشكل مباشر، إنما يقتصر على التوسل بالمفاهيم والمعاني والمضامين بشكل غير مباشر دون ذكر الاستشهادات. لكن، من خلال عناوين مؤلفاته يتضح مدى اهتمامه بالدين بشكل عام، والإسلام على وجه الخصوص، مع دوام دعوته إلى محورية القرآن وحاكميته وفاعليته كونه كونيا عالميا بامتياز.
من ضمن أقواله حول القرآن:
“لا بد من أن نعيد القرآن الكريم من المآثم والقبور إلى الحياة وتفاعلها، وأن نقرأه على مسامع الأحياء لا الموتى، وأن نسحبه من على الرفوف ونفتحه أمام أعين الطلاب والدارسين بمختلف نوعيات دراستهم”.
ومن ضمن ما ورد في كتاب “منهج التعريف بالإسلام”: “من أجل أن ندرس الإسلام بشكل صحيح ودقيق ونعرفه بنظرة عصرنا؛ توجد طريقتان رئيسيتان: – الطريقة الأولى: دراسة القرآن ورصد مبادئه وآثاره الفكرية والعملية؛ استعراض المسيرة التاريخية للمسلمين”.
من أجل مقارنة بين مبادئ القرآن ومقاصده الكبرى، وبين تاريخ المسلمين ومدى أثر القرآن في سلوكهم العملي؟
علي شريعتي عند محبيه: شهيد مجدد مفكر فيلسوف سوسيولوجي ثوري نابغة عبقري متنور، وعند أعدائه: وهابي متسنن شيوعي ملحد زنديق كافر منافق.
والمفارقة الغريبة أن تصدر ضده بعض النعوت القدحية (النفاق والكفر المتبرج): “بدأ في الساحة اتجاه جديد: القوميون العلمانيون أخذوا يغمسون أقلامهم في محابر إسلامية الشعار، لكن المداد هو نفس المداد؛ في طليعة هؤلاء منافقون حاذقون تخرجوا ويتخرجون من مدرسة “الواقعية التاريخية”… علي شريعتي إمام هذا الاتجاه، وقد كان لفكره ومحاضراته وتأليبه الأثر البالغ في تقريب الشباب الإيراني المثقف من الشعارات الإسلامية. وسبحان الله كيف تأيدت الثورة الإسلامية في إيران بمثل هذا الرجل! نقرأ العجب العجاب: الكفر المتبرج، والخلط الأيديولوجي، والاطلاع الموسوعي في خدمة كل ذلك “(1).
والغريب في الأمر، أن هذا الرأي ينتقد علي شريعتي بناء على ما نقله من آراء عن كتاب “اليسار الإسلامي” لحسن حنفي، دون أن يرجع إلى “المصدر”؛ كتاب علي شريعتي! أي إنه انتقده بناء على “مرجع” وليس على “مصدر”!؟
يضيف أيضا: “يقول شريعتي: “في القضايا العلمية والفلسفية ينبغي علينا أن نبحث عما إذا كانت القضية صحيحة أو باطلة. أما في القضايا الاجتماعية فينبغي علينا أن نبحث عن عامل آخر نسيناه جميعا، ومن هنا كانت آراؤنا خاطئة وخبط عشواء. في القضايا الاجتماعية هناك أمر آخر غير الصحة والبطلان، ينبغي أن نبحث عنه هو: متى نطرح القضية وأين ولماذا؟ “. النص وضع له رقم (2)؛ إحالة إلى كتاب حسن حنفي (اليسار الإسلامي، ص: 62)(2).
ينتقد الرجل كونه قام بنقد ذاتي، ويستخرج من النص ما يلي: “يرى الكاتب المنافق أن الأمة الإسلامية لما تنضج تاريخيا، لما تصل إلى طور تستطيع معه تقبل “الحقائق الصادقة” القائلة: إن الدين هراء تسلت به البشرية في طفولتها. لا حق ولا باطل، لكن واقعية انتهازية “(3).
كيف يجتمع “نفاق” و”كفر” في شخص علي شريعتي الذي كرس حياته في الدعوة إلى القرآن الكريم، كيف تجتمع تلك التهم في رجل كتب كتابا على تجربته الروحية في الحج (الفريضة الخامسة)، وجل كتبه موضوعها الإسلام، عاش ثلاث وأربعين سنة فقط جلها جهاد ومجاهدة في تحصيل العلم والحرية والكرامة، بالإضافة إلى اعتقاله ونفيه واستشهاده؛ ورغم ذلك كله يتهم بالنفاق وكفر متبرج!
المراجع:
-1، عبد السلام ياسين، الإسلام والقومية العلمانية، ص 35 وما بعدها.
-3،2، م س، ص 36 وما بعدها.