محمد أومليل
ما زلنا مع “الدراسات القرآنية الحديثة العربية العلمانية”، تحدثنا في الفقرة السابقة عن دراسة “محمد أركون”؛ بدأنا به نظرا للسبق التاريخي ومكانته وشهرته.
للتذكير، وقد أشرنا إلى ذلك سابقا، أن هؤلاء العلمانيين في مجال “الدراسة القرآنية”؛ يعتمدون على المناهج الحديثة التي اعتمدها كذلك المستشرقون؛ المتأخرون تلامذة المتقدمين.
” نصر حامد أبو زيد مصري (2010،1943) أكاديمي باحث متخصص في الدراسات الإسلامية وفقه اللغة العربية والعلوم الإنسانية والهرمنيوطيقا، حاصل على شهادة الدكتوراه في الدراسات الإسلامية سنة 1979، درس في عدة جامعات بمصر، وهولندا واليابان “(1).
من خلال الاطلاع على كتبه يتبين أن له ميل واضح للفكر المعتزلي تلاه إعجابه بتصوف بن عربي وتفسيره اللغوي للقرآن الكريم.
اختار منفاه إلى هولندا بعد ما اتهم بالردة والإلحاد وحكمت عليه محكمة مصرية بالتفريق بينه وبين زوجته على أساس (أنه لا يجوز للمرأة المسلمة الزواج بغير المسلم)؛ مرد ذلك إلى ما ورد في كتاب (نقد الخطاب الديني) كونه أثار ضجة كبرى في مصر لا سيما لدى الأزهر والدعاة وعلماء الدين والإخوان المسلمين وباقي التوجهات الإسلامية.
بالمناسبة، الكتاب انتقيته وقرأته ولم أجد فيه ما يدعو إلى اتهامه بالردة والإلحاد، بل كلما ذكر رسول الله إلا وصلى عليه وسلم، وفرق فيه بين “الدين المقدس” وبين “الفكر الديني”، نعم وردت فيه آراء صادمة، (صادمة بالنسبة لهم) أخذها عن المعتزلة والزمخشري ومحيي الدين بن عربي في اعتمادهم على التحليل اللغوي للقرآن الكريم، هو نفسه صرح بذلك: لم آت بجديد بل استأنفت توجه المعتزلة في إعمالهم العقلي وتحليلهم اللغوي.
له عدة مؤلفات في مجالات مختلفة، سأذكر ما له علاقة بالدراسات القرآنية:
– مفهوم النص دراسة في علوم القرآن
– نظرة جديدة للقرآن
– النص، السلطة، الحقيقة.
– الخطاب والتأويل
– نقد الخطاب الديني (أثار ضجة كبر واتهم بسببه بالردة والإلحاد مع أنه أقر بإسلامه في المحكمة)
– التجديد والتحرير والتأويل
– إشكالية القراءة وآليات التأويل
– الاتجاه العقلي في التفسير، دراسة في قضية المجاز عند المعتزلة
– فلسفة التأويل: دراسة في تأويل القرآن عند محيي الدين بن عربي.
جل أفكاره مصدرها المعتزلة ومحيي الدين بن عربي.
شهد له أحد المهتمين بالدراسات القرآنية (إسلام سعد باحث ومترجم بالمعهد الدولي للدراسات القرآنية) بتمكنه المنهجي في مجال “الدراسات القرآنية”؛ اعتبر دراسته أهم ما كتب في هذا التخصص!
ونصح بقراءة كتابه القيم (التجديد والتحرير والتأويل) نظرا لأهميته العلمية.
وشهدت له كذلك بتمكنه المستشرقة المنصفة (أنجيلا نويفرت متخصصة في الدراسات القرآنية لها عدة كتب حول القرآن مشرفة على فريق عمل لإنجاز كبير حول القرآن: “مشروع كوربس كورآنيكوم”) تقرأ له كثيرا وتلتقي به بين الفينة والأخرى (2).
منهجه المعتمد، في الدراسات القرآنية، منهج متعدد: نقدي، لغوي، تأويلي، هرمنيوطيقي، تاريخي، اجتماعي.
مما ورد في الكتاب الذي أثار ضجة واتهم بسببه بالردة والإلحاد وحكم عليه بالتفريق بينه وبين زوجته:
” لا بد هنا من التمييز والفصل بين “الدين” والفكر الديني، فالدين هو مجموعة النصوص المقدسة الثابتة تاريخيا، في حين أن الفكر الديني هو الاجتهادات البشرية لفهم تلك النصوص وتأويلها واستخراج دلالتها؛ ومن الطبيعي أن تختلف الاجتهادات من عصر إلى عصر، بل ومن الطبيعي أيضا أن تختلف من بيئة إلى بيئة، واقع اجتماعي تاريخي جغرافي عرقي محدد، إلى بيئة في إطار بعينه، وأن تتعدد الاجتهادات بالقدر نفسه من مفكر إلى مفكر داخل البيئة المعينة “(3).
تلك هي الفكرة المحورية للكتاب كله معتمدا على التأويل اللغوي والتاريخي والاجتماعي مستدلا بآراء المعتزلة والزمخشري وبن عربي.
مع انتقاده لبعض اجتهادات أهل العلم المتقدمين (مثل الصحابي عبد الله بن عباس والإمام الشافعي) والمتأخرين؛ ذلك ما أثار غضب الأزهر والدعاة وعلماء الدين والإخوان المسلمين وأصحاب التوجه الإسلامي عموما.
مما ذكره في حق عبد الله بن عباس:
” وإذا كان الصحابي عبد الله بن عباس الذي استحق “ترجمان القرآن” و”حبر الأمة” قد فسر “الرعد” بأنه: “ملك يسوق السحاب بمقلاع من فضة”؛ وهو تفسير ينسب إلى الرسول عليه السلام (لاحظوا مرتد ملحد يذكر الرسول ويسلم عليه) في بعض كتب الحديث. فإن المسلمين لم يأخذوا هذا التفسير بوصفه معنى دينيا مقدسا مطلقا يتحتم ألا يخالفه البحث العلمي “(4).
ما تم إنجازه، بعد وفاة نصر حامد أبو زيد بعقد ونصف، تجاوز بكثير ما طرحه المرحوم في التسعينيات من القرن الماضي؛ نقد المصاحف والمخطوطات والبخاري ومسلم وكتب الحديث عموما وكتب التفسير وكتب السيرة وعلوم الحديث وعلوم القرآن وأصول الفقه وفروع الفقه وفتاوى ابن تيمية، ورصد الزمن الفاصل بين العهد النبوي وعهد التدوين؛ ما يزيد عن قرن لم يدون فيه أي كتاب ما عدا القرآن الكريم..، إلى غير ذلك الذي أصبح موضع دراسة نقدية. لم يسبق للمرحوم أن تناول نسبة عشرة بالمائة من تلك الموضوعات المتعددة وجد صادمة!
كاتب هذه السطور قضى من حياته ما يزيد عن أربعين سنة في مجال الدعوة و”الدراسات الإسلامية الكلاسيكية” وحين اقتحم مجال الاستدراك الذاتي، ما يقرب من عشرين سنة، بناء على “الدراسات الإسلامية”؛ وجد العجائب والغرائب في كل مصادر التراث الإسلامي والكثير مما هو مخالف لمحكمات القرآن ولقيمه الأخلاقية النبيلة ومقاصده الكبرى وللسنن الربانية الناظمة للآفاق والأنفس، ناهيك عن التناقضات والاختلافات في الصحيحين، ناهيك عن غيرهما، آخر ما وجدته: روايات حول “أركان الإسلام” (في الصحيحين) من حيث العدد (خمسة وأربعة) ومن حيث المضامين (رواية دون “الحج”، رواية دون “شهادة أن محمدا رسول الله” ورواية ذكر فيها “وأن تعطوا الخمس من المغنم”).
على أي، قانون التطور لا يرحم أحدا، وسنة الله الناظمة للأنفس والأفاق (بما في ذلك سنة التغيير والاستبدال) لا تحابي أحدا مؤمنا كان أو كافرا.
المستقبل ل “دين الله القيم” “دين الفطرة” “دين الحق”.
و”دين الشركاء” إلى زوال إن شاء الله.
” هو الذي أرسل رسوله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله ولو كره المشركون “.
المشركون الذين اتبعوا “دين الشركاء”:
” أم لهم شركاء شرعوا لهم من الدين ما لم يأذن به الله “.
على العموم، الرجل، بحكم تشبعه باللغة العربية والدراسات الإسلامية الكلاسيكية والحديثة وبحكم تعليمه في مصر، وليس في فرنسا (السربون) كما هو حال الكثير من أقرانه، بحكم ذلك كله ألمس فيه قيم “دين الفطرة” وقيم أخلاقية نبيلة وشيء من التواضع وقابلية النقد الذاتي..، وغير ذلك من الفضائل الحميدة، مع اختلافي معه في بعض الآراء.
رحمه الله وتغمده بواسع رحمته وغفر الله لنا وله.
المراجع:
-1، نصر حامد أبو زيد، ويكيبيديا.
-2، صرح بذلك الدكتور إسلام سعد في حواره مع إبراهيم عيسى حول الدراسات القرآنية الحديثة، برنامج مختلف عليه.
-3، ص 195 وما بعدها.
-4، م س، ص 197.