محمد أومليل
أقصد الاختلاف الحاصل بين “الرسم العثماني” المعتمد في المصاحف و”الإملاء الحديث” المتعارف عليه حاليا في المؤسسات التعليمة وما هو متداول بين أهل اللغة العربية في مجالات العلم والمعرفة؛ هناك من يرى أن “الرسم العثماني” توقيفي فلا يجوز تغييره، بل وجب الحفاظ عليه، من ضمن القائلين بهذا الرأي الإمام مالك والإمام أحمد..، وهناك من يرى أنه توفيقيا ولا بأس من تغييره والاعتماد على “الإملاء الحديث”، من ضمن هؤلاء الباقلاني وابن خلدون..
هذا ما رصدته عند السنة والشيعة على السواء؛ المسألة خلافية.
الخط عموما وضع ليعبر عن معنى اللفظ الذي ينطق به، فالكتابة في الحقيقة قيد اللفظ المعبر عن المقصود، وعليه فيجب أن تكون الكتابة مطابقة للفظ المنطوق به تماما، ليكون الخط مقياسا للفظ من غير زيادة عليه أو نقصان.
بيد أن المصاحف العثمانية قد أهمل فيها هذا الأصل فوجدت فيها حروف كثيرة جاء رسمها مخالفا لأداء النطق، مثل:
– (بأييد): (بأيد).
– لأاذبحنه): (لأذبحنه).
إلى غير ذلك من الرسم المخالف للنطق “(1).
هناك من أهل اللغة المعاصرين ينادون بتجديد “الإملاء الحديث” كونه مخالفا للقاعدة أعلاه “مطابقة الرسم للفظ”، مثل:
– (لكن): (لاكن).
– (هذا): (هاذا).
إلى غير ذلك مما ينبغي تغييره كي يكون الرسم مطابقا للفظ.
لقد تم رصد مشكلتين في “المصحف العثماني”:
– الأولى حول رسم بعض الكلمات بشكلين متباينين.
– الثانية حول رسم بعض الكلمات بشكل مخالف ل “الإملاء الحديث”.
من ضمن ذلك على سبيل المثال لا الحصر:
” إن شجرت الزقوم طعام الأثيم ” (الدخان 43).
” أذلك خير نزلا أم شجرة الزقوم ” (فصلت 62).
*****
” وتمت كلمت ربك صدقا وعدلا ” (الأنعام 115).
” ولولا كلمة سبقت من ربك ” (يونس 19).
*****
” فروح وريحان وجنت نعيم ” (الواقعة 89).
” واجعلني من ورثة جنة النعيم ” (الشعراء 85).
*****
” فهل ينظرون إلا سنت الأولين ” (فاطر 43).
” لا يؤمنون به وقد خلت سنة الأولين ” (الحجر 13).
*****
” قل صدق الله فاتبعوا إبراهيم حنيفا” (آل عمران 95).
” وإذ ابتلى إبراهم ربه بكلمات ” (البقرة 124).
*****
” يا أيها الذين آمنوا اذكروا نعمت الله عليكم ” (المائدة 11).
” يا أيها الذين آمنوا اذكروا نعمة الله عليكم ” (الأحزاب 9).
استنادا على هذا المثال الأخير؛ يتضح جليا أن هناك خطأ صدر عن الناسخ كون ليس هناك اختلاف في صياغة الآية بتاتا؛ نفس الآية مع الاختلاف في رسم كلمة “نعمت”/”نعمة!
وهل هذا يستقيم مع جعل “الرسم العثماني” أمرا توقيفيا؟!
إلى غير ذلك من الاختلالات التي تم ذكرها أعلاه المنافية لما هو توفيقي!
أغلب أهل العلم لا يميزون بين “القرآن” الذي هو كلام الله، المحفوظ في جميع سوره ومفرداته، وأصوله وقيمه وسننه الناظمة للإيمان والعمران وكل ما يندرج ضمن جوهر القرآن، وبين “المصاحف” التي هي من صنع البشر من حيث الرسم والنسخ والتنقيط والتشكيل والمد والهمز والوقف والترقيم..، إلى غير ذلك مما أضيف منذ العهد الأموي إلى يومنا هذا حيث أضيفت للمصحف: علامات بعض قواعد التجويد وشرح بعض الكلمات على هامش المصحف.
وقع لهم خلط بين “القرآن” و”المصحف”، على غرار ما وقع لهم من خلط بين:
-“التوقيفي”/”التوفيقي”.
-“الشرع”/”الفقه”.
-“الحلال”/”المباح”.
-“الرسول”/”النبي”.
تم تناول ضبط تلك المصطلحات بشكل دقيق من قبل أهل الاختصاص في “علم المصطلح القرآني” كما تطرقنا إلى ذلك في إحدى الفقرات السالفة الذكر.
المراجع:
-1، إشكالية رسم المصحف العثماني، المركز الإسلامي للدراسات الاستراتيجية.