9 سبتمبر 2025 / 10:48

الدراسات القرآنية بين القديم والحديث: تعدد القراءات

محمد أومليل

إذا كان عدد المصاحف يعد بالمئات، كون عدد الصحابة بالآلاف، فعدد القراءات بالآلاف كون المأثور الشفوي كان منتشرا بحكم الأمية كانت تشكل مساحة شاسعة مع ندرة الكتابة قبل عصر التدوين الذي ظهر في القرن الثاني الهجري في عهد حكم أبي جعفر المنصور.
بالإضافة إلى غلبة الثقافة الشفهية لدى العرب إلى يومنا هذا مع الاختلاف في الدرجة حيث بدأت تقل بحكم تقليص نسبة الأمية.
في عهد عثمان بن عفان ربط القرآن الشفوي بالقرآن الكتابي وجعلهما وجهين لعملة واحدة؛ يتضح ذلك من خلال ما قام به حين أرسل المصاحف إلى الأمصار بعث مع كل مصحف قارئا، حيث جعل الشفوي دليلا على الكتابي ومقوما له من اللحن.
تم تقسيم القراءات، من قبل السلطة السياسية والسلطة الدينية، إلى قراءة سائدة وقراءة شاذة.
حصروا السائدة في عشر قراءات:
– حفص عن عاصم
– ورش عن نافع
– قالون عن نافع
– الدوري عن أبي عمرو
– أبو الحارث عن الكسائي
– شعبة عن عاصم
– قنبل عن ابن كثير
– البزي عن ابن كثير
– الدوري عن الكسائي
– السوسي عن أبي عمرو.
لاحظوا “عاصم” أخذ عنه حفص وشعبة مع الاختلاف في القراءة.
وكذلك “نافع” أخذ عنه ورش وقالون.
“أبو عمرو” أخذ عنه الدوري والسوسي.
“الكسائي” أخذ عنه أبو الحارث والدوري.
“ابن كثير” أخذ عنه قنبل والبزي؛ مع الاختلاف في القراءات التي لا حصر لها؛ تطرق إلى ذلك بالتفصيل، في القرن الخامس الهجري، أبو القاسم الهذلي في كتابه (الكامل في القراءات) ذكر فيه خمسين قراءة وما يزيد عن ألف رواية وطريقة؛ أغلبها تعد شاذة بالنسبة للسلطة السياسية وحليفتها السلطة الدينية التي كان يتزعهما أبو بكر بن مجاهد المتوفى سنة 324 هجرية.
من ضمن رواد “القراءة الشاذة” أبو الحسن بن شنبوذ عاصر ابن مجاهد واعترض الثاني على الأول، حيث أقيمت لابن شنبوذ محكمة (بسبب قراءته الشاذة) خاصة؛ حضرها الوزير وجملة من الفقهاء من بينهم أبو بكر الأبهري وطائفة من المقرئين يرأسهم ابن مجاهد بالإضافة إلى القضاة؛ فحكم عليه بالضرب(1).
ومع ما وقع لابن شنبوذ لم يعد ذلك منقصة في حقه، ولا إسقاطا لرتبته في المقرئين وإمامته، فالداني أخذ قراءة نافع بروايتي قالون وورش من طريق ابن شنبوذ(2).
نفس المصير لقيه أبو بكر بن مقسم المتوفى سنة 354؛ حيث رفع أمره إلى السلطة السياسية فاستتيب بحضرة الفقهاء والقراء ومن بينهم ابن مجاهد، فأذعن بالتوبة وكتب محضر بتوبته(3).
السائد من القراءات كان بسبب تدخل السلطتان؛ السياسية والدينية، وكذلك ما تم إقصاؤه وتهميشه كان من قبل السلطتين.
نفس الأمر وقع للمذاهب الفقهية التي حوصرت في أربعة مذاهب وتم تهميش عشرات المذاهب.
ذلك ما يؤكده تاريخ علاقة الأديان بالحكام ورجال الدين؛ “الناس على دين ملوكهم”.
عبر عن ذلك رائد السوسيولوجيا ابن خلدون ب”دين الانقياد” و”نحلة الغالب”.
على سبيل المثال، المغرب كان إباضيا في القرن الثامن الميلادي، ثم شيعيا في القرن التاسع الميلادي، والآن سنيا مالكيا أشعريا جنيديا.
عموما السائد والشاذ من صنع السلطة السياسية والسلطة الدينية.
المراجع:
-1، معرفة القراء الكبار للذهبي ص 279، نقلا عن مجلة منار الهدى، العدد 14، ص 30 وما بعدها.
-3،2، م س، ص 32.
#محمد_أومليل_الدراسات_القرآنية_بين_القديم_والحديث