محمد أومليل
في العهد النبوي، قبل جمع القرآن ونسخه من قبل عثمان عفان، كان هناك عدة مصاحف مسطورة لدى بعض الصحابة، وعدة قراءة متلوة شفاهة من قبل البعض الآخر مع الاختلاف في ما تم تدوينه وما تلي تلاوة على السواء. والدليل على ذلك أن عثمان قام بحرق أغلب تلك المصاحف مقابل نسخ “مصحف الإمام” وقام بنشر بضعة نسخ (هناك اختلاف في العدد).
وما يدل على اختلاف القراءات في العهد النبوي ما روي عن عمر بن الخطاب أنه قال: ” سمعت هشام بن حكيم بن حزام يقرأ سورة الفرقان على غير ما أقرؤها… فجئت به إلى رسول الله، صلى الله عليه وسلم، فقلت: يا رسول الله إني سمعت هذا يقرأ سورة الفرقان على غير ما أقرأتنيها. فقال رسول الله: اقرأ؟ فقرأ القراءة، قال رسول الله: هكذا نزلت “.
الحديث طويل، انتقيت منه ما يناسب الموضوع الذي نحن بصدده؛ اختلاف القراءات في العهد النبوي. والأحاديث في الباب كثيرة.
حسب ما ورد في مصادر علوم القرآن؛ هناك عدة مصاحف منسوبة لبعض الصحابة، من ضمنها:
– مصحف عائشة
– مصحف عبد الله بن مسعود
– مصحف عبد الله بن عباس
– مصحف أبي بن كعب.
ما تقدم ذكره على سبيل المثال لا الحصر..، اقتصرت على ذكر هؤلاء كنماذج في اختلاف المصاحف نقلا من (كتاب المصاحف) لأبي بكر بن أبي داود السجستاني المتوفى سنة 316 هجرية.
في مصحف عائشة: ” حافظوا على الصلوات والصلاة الوسطى وصلاة العصر “.
المصحف السائد: ” حافظوا على الصلوات والصلاة الوسطى ” (البقرة 238).
مصحف عبد الله بن مسعود:و” إن الله لا يظلم مثقال نملة “.
المصحف السائد: ” إن الله لا يظلم مثقال ذرة ” (النساء 40).
مصحف عبد الله بن عباس: ” فلا جناح عليه أن لا يطوف بهما “.
المصحف السائد: ” فلا جناح عليه أن يطوف بهما “.
مصحف أبي بن كعب: ” فما استمتعتم به منهن إلى أجل مسمى فأتوهن أجورهن “.
المصحف السائد:و” فما استمتعتم به منهن فأتوهن أجورهن ” (النساء 24).
إلى غير ذلك مما يندرج ضمن “اختلاف المصاحف” في مصادر علوم القرآن المعتبرة، في ما له علاقة ب “المصاحف” يعد ما أنجزه أبو بكر بن أبي داود السجستاني مرجعا أساسيا لكل دارس ل”اختلاف المصاحف والقراءات”، له مكانة عالية عند أغلب أهل العلم كونه تم تناول الموضوع بمنهجية علمية صارمة ومقاربة شمولية وشجاعة قل نظيرها؛ تناول عدة موضوعات، آنذاك في القرن الهجري، ما زالت إلى الآن تعد من التابوهات!
من ضمن تلك الموضوعات: “أن الحجاج بن يوسف الثقفي غير في مصحف عثمان إحدى عشر حرفا”؛ ذكر ذلك بالتفصيل مع ذكر الآيات والسور.
ولقد اطلعت عليها فوجدتها ليس لها تأثير على القرآن من حيث أصوله ومقاصده وقيمه..
على سبيل المثال مما غيره الحجاج: ” لم يتسن ” (البقرة 259).
غيرها إلى: ” لم يتسنه “.
” شريعة ومنهاجا ” (المائدة 48).
غيرها إلى: ” شرعة ومنهاجا “.
” هو الذي ينشركم “(يونس 22).
غيرها إلى: ” يسيركم “.
” أنا آتيكم بتأويله “(يوسف 45).
غيرها إلى: ” أنا أنبئكم بتأويله “.
إلى غير ذلك مما تم تغييره من قبل الحجاج بن يوسف الثقفي.
رغم ذلك كله، لا يعدو أن يكون ضمن مرويات خبر آحاد لا تؤخذ على محمل الجد.
الأهم أن القرآن محفوظ، من قبل الله، في سوره وأغلب مفرداته وأصوله وحلاله وحرامه ووصاياه وتوجيهاته وقيمه الأخلاقية النبيلة وسننه الناظمة للآفاق والأنفس.
استنادا على ما تقدم، وجب التمييز بين القرآن المحفوظ من قبل الله، والمصاحف التي سطرتها يد بشرية لا تخلو من ضعف تقصير وجب تصحيحه من قبل جهات رسمية على غرار ما قام به عثمان بن عفان من جمع ونسخ ونشر، وما قام به معاوية وعبد المالك بن مروان من تنقيط وتشكيل.