محمد أومليل
تحدثنا في الفقرة السابقة عن “الدراسات القرآنية الحديثة العربية”؛ المهتمون بذلك صنفان: علمانيون وإسلامويون، وقد بينا دلالات المصطلحين سلفا.
في هذه الفقرة، والتي ستليها، سنخصصها للتوجه العلماني، على رأسهم (محمد أركون) نظرا لأهميته ومنجزاته وتأثيره وشهرته.
محمد أركون جزائري (2010،1928) مفكر مؤرخ عالم دراسات إسلامية فيلسوف باحث أكاديمي درس في جامعة السوربون بباريس؛ ساعده على ولوج تلك الجامعة المستشرق (لوي ما سينيون) فرنسي متخصص في دراسة الإسلام، متأثر بابن مسكويه أخذ عنه (الأنسنة)”(1).
استفاد أركون من عدة مصادر؛ الفلسفة الكلاسيكية، الفلسفة الحديثة، الحداثة المعرفية، المناهج الحديثة، الفكر الاستشراقي، الفلسفة الإسلامية، الفكر المعتزلي..، إلى غير ذلك من مصادر المعرفة.
من ضمن مؤلفاته حول القرآن:
– نسبة القرآن إلى الله؛ 1969
– قراءات في القرآن؛ 1982
– القرآن: من التفسير الموروث إلى تحليل الخطاب الديني؛ 2001.
منهجه المعتمد؛ منهج مركب ومتعدد، صرح بذلك للأستاذة (نايلة أبي نادر) حين كانت تحضر أطروحاتها حول (أركون والجابري) فكانت تتصل بهما، كل واحد على حدة، بين الفينة والأخرى. من ضمن ما قالته عنه: يقوم أركون بنقد “العقل الإسلامي” على غرار مشروع الجابري “نقد العقل العربي”، بالإضافة إلى تركيزه على تاريخية النص تاريخية الوحي تاريخية المجتمع تاريخية العقل الديني؛ بغية نزع القداسة من كل ذلك وإخضاعه للنقد (2).
من ضمن تلك المناهج: التحليلي، النقدي، التاريخي، الفيلولوجي، التفكيكي، إلى غير ذلك مما يندرج ضمن منهجه المركب، معتمدا كذلك على (ثيودور نولدكه) في التعامل مع القرآن على أساس ترتيبه للسور حسب النزول ومع التصرف الشخصي.
بنى محمد أركون نظريته للقرآن وترتيب سوره وآياته على ثلاثة أسس:
– التفريق بين النص الشفوي والنص المدون
– تاريخية النص القرآني
– فوضوية ترتيب الآيات والسور.
معتمدا على ترتيب النزول متوسلا بالمنهج التحليلي للألفاظ القرآنية أخذ ذلك عن (ثيودور نولدكه) “(3).
في نظر محمد أركون ينبغي دراسة القرآن تاريخيا بمعزل عن أي قداسة كونه نازلا إلى عالم الشهادة عالم الدنيا والبشر وما بينهما من تفاعل واحتكاك وتدافع ومصالح، مفرقا في ذلك بين “ظاهرة القرآن” (في العهد النبوي) وبين “ظاهرة الإسلام” (بعد وفاة النبي).
ويدعو إلى ضرورة الفصل بين “الأسطورة القرآنية” و”الواقع التاريخي”.
صرح أركون، غير ما مرة، أن القرآن “خطاب ذو بنية أسطورية”، ويذهب إلى أن القرآن الكريم: ” يعتمد الأسطورة من أجل تعليم الحقيقة، ولبيان هذا الأمر يورد الآية الكريمة الآتية: (وكلا نقص عليك من أنباء الرسل ما نثبت به فؤادك وجاءك في هذه الحق وموعظة وذكرى للمؤمنين ) “(4).
لذا، يدعو إلى ضرورة المرور من مرحلة “الفكر الأسطوري” إلى مرحلة “الفكر الواقعي التاريخي”.
كل ما تقدم ذكره يختزله أركون في مصطلح من نحته “أرخنة القرآن”.
ويؤكد، بنفس الحماس والإلحاح، ربط القرآن والإسلام بالناسوت (مصالح الإنسان والناس) عوض احتكارهما من قبل الكهنوت (رجال الدين). يختزل ذلك في مصطلح “أنسنة الإسلام”.
يقوم كذلك بعملية نقد التراث الإسلامي وتحليله وتفكيكه ورصد الاختلالات والتناقضات والعديد من الأساطير والخرافات، ويتأسف كون أغلبية المسلمين متشبتين بكل ذلك. ويختزل ذلك في مصطلح “الجهل المقدس”؛ أخذه عن فرنسي عالم سياسي (أولفييه روا) له كتاب (الجهل المقدس).
كل ما يقوم به من دراسات قرآنية ودراسات إسلامية بشكل عام؛ نقدا ورصدا وتنقيبا وتحليلا وتفكيكا..، يطلق عليه: “الإسلاميات التطبيقية”.
على العموم، ما صدر عن أركون من دراسات قرآنية؛ كان صادما ومثيرا للجدل وأثار نقاشا واسعا لدى العرب والغرب على حد سواء؛ فبعض العرب يرونه “مستشرقا غربيا” ويراه بعض الغربيين “مسلما تقليديا”؛ مردخ تلك النعوت القدحية إلى نقده للعرب والغرب على حد سواء(5).
من حيث “تاريخية القرآن”؛ صحيح هناك جانب، في القرآن، رهين بأحداث تارخية مثل: أسباب النزول والغزوات والاستدراكات والشكايات والأحداث الطارئة والأحكام المظروفة والآيات المنسوخة..، ورهين كذلك بالشق الرسالي الدائم إلى يوم القيامة في ما له علاقة بأصول الإيمان والعبادات ومكارم الأخلاق والحلال والحرام؛ هذا الشق المهم غاب عن محمد أركون!
كما أخذت عن أركون؛ مصطلح “علم الجهل” حيث أحاله إلى مصدره فانتقيته؛ كتاب (علم الجهل) ل (أوليفييه روا) مما حفزني للاشتغال على “علم الجهل” فنشرت منه عشرات الحلقات متتالية في صفحتي، أضفت أنواعا أخرى من الجهل (الممأسس. المؤدلج، المعلمن، المكعب، بالإضافة إلى: البسيط، المركب، المطبق)
هؤلاء العلمانيون؛ استفدت منهم كثيرا أخذت عنهم واستدركت عليهم وتفاعلت معهم أخذا وردا وبحثا ورصدا..
هذا هو منهجي في التعامل مع جميع مصادر المعرفة بغض النظر عن التوجهات العقدية والأيديولوجية؛ الكل يؤخد منه ويرد.
على أي هذه الفقرة جد مختصرة، تم التركيز على تعريف موجز بأركون ومنهجه المعتمد ومصطلحاته المحورية ونقده للعرب والغرب.
المراجع:
-1، محمد أركون، ويكيبيديا.
-2 برنامج جدليات مع الإعلامي عمر عبد الحميد، أركون وأنسنة الإسلام، اليوتيوب.
-3، تأثير محمد أركون بالمستشرقين في قضية ترتيب سور القرآن الكريم.
-4، محمد أركون، تاريخية الفكر العربي، ص 10.
-5، نايلة أبي نادر، م س (2).