7 سبتمبر 2025 / 14:04

الدراسات القرآنية بين القديم والحديث: الوحي بين القرآن والمصاحف

محمد أومليل

سبق أن تحدثنا عن هذا الموضوع، بنفس العنوان، في “الفصل الثالث: الدراسات القرآنية القديمة”؛ نعيد الحديث عنه باختصار شديد من أجل توضيح كيف انتقل الوحي من “قرآن” إلى “مصاحف” كي نرصد أسباب اختلاف القراءات والأخطاء التي ما زالت ضمن المصاحف على اختلاف أنواعها؛ نحو، إملاء، تنقيط، تشكيل، همز، مد، تأنيث، تذكير، سقوط بعض الكلمات..
الوحي
ابتداء نزل “الوحي” طريا من قبل الله جل وعلا على رسول الله، صلى الله عليه وسلم، بواسطة جبريل.
القرآن
بعد ذلك تلاه رسول الله على الناس “قرآنا” بشكل عام، وعلى الصحابة بوجه الخصوص؛ تلاه، صلى الله عليه وسلم، كما بلغه من قبل الله دون زيادة أو نقصان من خلال ثمانية وعشرين حرفا بلسان عربي مبين.
مصاحف
بعدما سمع الصحابة القرآن من قبل رسول الله؛ دونوه في “مصاحف” دون تنقيط أو تشكيل بحكم، آنذاك، لم يكن لهما وجود، بل كانت الكتابة تتم من خلال خمسة عشر حرفا فقط، يعرفون معاني الكلمات من خلال السياق والمعهود المتداول بينهم من خصوصيات، بالإضافة إلى تمكنهم باللغة العربية سليقة.
بقيت “المصاحف” على هذا النحو دون تنقيط أو تشكيل إلى أن تم ذلك في عهد حكم معاوية بن أبي سفيان وعهد حكم عبد المالك بن مروان؛ نسب ذلك إلى: أبو الأسود الدؤلي، الحجاج بن يوسف الثقفي، نصر بن عاصم الليثي، يحيى بن يعمر.
ما يؤكد أن “المصاحف”، ابتداء، كانت دون تنقيط وتشكيل؛ وجود مخطوطات قرآنية بعضها يرجع تاريخها إلى منتصف القرن الهجري، محتفظ بها في بعض المتاحف لدى بعض الدول الغربية والعربية والإسلامية، وهي كالتالي:
– مخطوطات مصحف عثمان؛ مصر تركيا..
– مخطوطات مصحف جامع عمرو بن العاص؛ مصر
– مخطوطات صنعاء؛ اليمن
– مخطوطات برمينغهام؛ بريطانيا
– مخطوطات المشهد الحسيني؛ مصر
– مخطوطات طوبقاي؛ تركيا
– مخطوطات سمرقند؛ أزوبكستان
– مخطوطات توبنغن؛ ألمانيا.
بالإضافة إلى مخطوطات بفرنسا، إيطاليا، روسيا..
كل ذلك منشور في مواقع التواصل الاجتماعي دون تنقيط أو تشكيل، “مصاحف” من مئات الجلود، بعضها يزن ثمانين كيولغراما!
خلاصة القول، سبب اختلاف “المصاحف” والقراءات وما تخلل ذلك من اختلالات مرده إلى اليد البشرية (لا تخلو من نقص) التي تدخلت من خلال عملية التدوين والنسخ والكتابة؛ وجب مراجعة ذلك وتصحيحه كنوع من الاجتهاد كما اجتهد الأولون منذ عهد مبكر من تاريخ المسلمين وما تلاه من تحسينات مثل: ترقيم الآيات، تقسيم المصحف إلى (جزء، حزب، نصف، ربع، ثمن)، وضع علامات التجويد، تفسير بعض الكلمات على هامش المصحف..، إلى غير ذلك من تحسينات.
بعض أهل العلم يربطون اختلاف القراءات إلى حديث: “نزل القرآن على سبعة أحرف “؛ الحديث تناوله الإمام السيوطي بتفصيل واسع في كتابه (الإتقان في علوم القرآن) وذكر ما يزيد عن أربعين قولا؛ قول لا يشبه الآخر، أغلبها لا علاقة لها ب(لهجات العرب).
أغلب أئمة الشيعة يرفضون الحديث كونه لا أساس له من الصحة، وعلى رأسهم أبو عبد الله جعفر بن محمد الصادق:
” كذبوا.. لكنه نزل على حرف واحد “.
وكذلك الكيلاني: ” إن القرآن واحد نزل من عند واحد، ولكن الاختلاف يجيء من قبل الرواة “.
الاختلاف مرده إلى ما أضيف ل”المصحف” من تنقيط وتشكيل ومد وهمز..، وإلى ما صدر من أخطاء من قبل النساخ والكتاب، كما صرح بذلك عثمان بن عفان وأم المؤمنين عائشة؛ وقد ذكرنا ذلك في الفقرة السابقة.
مما قاله عثمان: ” إني أجد فيه لحنا ستقومه العرب بألسنتها “(1).
معنى الحديث ورد في عدة روايات بألفاظ مختلفة.
ومن ضمن أقوال أم المؤمنين عائشة: ” يا ابن أخي هذا عمل الكتاب أخطئوا في الكتابة “(2).
قال كذلك ابن عباس: ” أظن أن الكاتب كتبها وهو ناعس “(3).
استنادا على ما تقدم ذكره، وجب التمييز بين “القرآن” المحفوظ من قبل الله من حيث سوره ومفرداته وأصوله وقواعده وحرامه وحلاله ووصاياه وتوجيهاته وقيمه الأخلاقية وسننه الناظمة للآفاق والأنفس، وبين “المصاحف” التي لا تخلو من اختلالات لغوية نحوية إملائية..؛ وجب تصحيحها، وذلك ما ينتظره منا عثمان بن عفان منذ خمسة عشر قرنا: “إني أجد فيه لحنا ستقومه العرب بألسنتها”.
ومع ذلك إلى يومنا هذا لم يجرؤ أحد على القيام بهذه المهمة!؟
وهو دور ينبغي أن تقوم به مؤسسات رسمية، كون ما سبق من مبادرات حول “المصحف” من جمع ونسخ ونشر وتنقيط وتشكيل؛ كان قرارا سياسيا من قبل الدولة.
المراجع:
– 3،2،1، مجلة منار الهدى، العدد 14، خريف 2009، أخطاء النص العثماني، ص 35 وما بعدها.