محمد أومليل
هو متعدد في القرآن، حسب بعض أهل العلم والفكر، بدأ منذ عهد مبكر من تاريخ المسلمين مع “الإعجاز اللغوي”، وانتهى، أخيرا وليس آخرا، مع “الإعجاز اللفظي”، مرورا ب “الإعجاز العلمي” و”الإعجاز العددي”.
– الإعجاز اللغوي
تحدث عنه المتقدمون، من ضمنهم: محمد بن يزيد الواسطي، أبو بكر الباقلاني، عبد القاهر الجرجاني، جار الله الزمخشري، جلال الدين السيوطي..، بالإضافة إلى المتأخرين المهتمين باللغة العربية عموما.
هذا النوع من الإعجاز لا غبار عليه ولم يتلقى اعتراضا من حيث المبدأ، لكن هناك اختلاف حول بعض موضوعاته، ونقد بعض المبالغات، لكن على العموم مقبول كونه أصيلا وقديما وليس دخيلا ومحدثا.
– الإعجاز العلمي
هذا النوع حديث بدأ في أواخر القرن العشرين مع الشيخ عبد المجيد الزنداني، الدكتور زغلول النجار، أحمد شوقي إبراهيم..، مثالا لا حصرا..
هذا النوع تعرض للكثير من الانتقادات كونه لا يخلو من تفسير قسري ومن مجازافات وإدخال في القرآن ما ليس منه وإسقاطات ولي أعناق الآيات القرآنية لتخدم “الإعجاز العلمي” بشكل تعسفي!
نعم، هناك استثناءات كانت موفقة، مثل مراحل الجنين في الرحم، وغير ذلك مما يتوفر على شرطين أساسيين عند المقارنة بين ما تم اكتشافه علميا (أن يرقى إلى خبر اليقين) وبين ما تم التدليل عليه في القرآن (آيات قطعية الدلالة)؛ إذا توفر ذلك فقد يندرج ضمن “الإعجاز العلمي”. ما دون ذلك الذي أساسه “نظرية علمية” غير مجربة، و”آية ظنية الدلالة”؛ مرفوض علميا ولا أساس له من الصحة.
أمر طبيعي أن يكون هناك توافق بين ما هو من خلق الله، وبين ما أثبته العلم على مستوى اليقين؛ له سبحانه الكتاب المسطور والكتاب المنظور.
غير أن هناك ملاحظة؛ إذا كان القرآن الكريم، حسب رواد هذا المجال، يتضمن إعجازا علميا؛ فلماذا لا يكونوا سباقين لرصد نظرية علمية ويخضعونها للعلوم التجريبية، فيكون لهم السبق نظريا وعمليا؟
– الإعجاز العددي
هذا النوع يتزعمه الشيخ بسام جرار والمهندس عدنان الرفاعي..، وهو أكثر مصداقية من “الإعجاز العلمي” كونه أصيلا ولا علاقة له بالاكتشفات العلمية الغربية والصينية واليابانية..
لكن، هناك مبالغات ومجازفات مثل (رقم 19) وما يبنى عليه من أمور غيبية بما في ذلك تأريخ زوال إسرائيل.
وبالمقابل هناك أمور تثير الدهشة والإعجاب مثل:
– تكرار كلمة (شهر) في القرآن 12 مرة؛ عدد شهور السنة.
– ذكر (يوم) ومشتقاته 365 مرة؛ عدد أيام السنة.
إلى غير ذلك مما يندرج ضمن حقائق موضوعية في غاية الوضوح مما يثير الدهشة والاستغراب!
– الإعجاز اللفظي
هذا النوع من الإعجاز ما يزال حديث عهد وفي بدايته يهتم به من لهم إلمام ب “ميتودولوجيا”، من ضمن رواده؛ الدكتور محمد أبو القاسم حاج حمد، المهندس محمد شحرور، العالم سبيط النيلي..، مثالا لا حصرا..
هذا النوع من الإعجاز محكوم من داخل القرآن ولا علاقة له بما هو خارجه بما في ذلك معاجم اللغة العربية، له منهج واضح وصارم، من ضمن عناصره:
– عدم وجود ترادف في القرآن
– الاشتغال داخل القرآن، بمعزل عن أي مصدر من خارجه.
– الاستقراء العام
– مراعاة السياق داخل القرآن.
من ضمن نتائجه رصد بعض الفروقات:
– بين العلم والمعرفة
– بين القلب والعقل
– بين البشر والإنسان
– بين الرسول والنبي
– بين الموت والوفاة.
ومما يثير الدهشة والإعجاب؛ أن ما تقدم ذكره من خصوصيات لكل عنصر من تلك العناصر تم التفصيل فيه تفصيلا في غاية الدقة والإتقان وعدم الوقوع في التناقض أو الخلط بين الخصوصيات!
لأوضح أكثر، نأخذ لفظي “المعرفة” و”العلم”:
– العلم ورد بصيغة اليقين، ومنسوب إلى الله جل وعلا بالاسم “العليم” وبالفعل “يعلم”.
– المعرفة لم ترد في سياق اليقين، ولم تنسب إلى الله سبحانه؛ كونها حمالة أوجه، قد تفيد اليقين وقد تفيد الظن وقد تفيد الوهم!
وعليه، كل علم معرفة، وليس كل معرفة علما بالضرورة.
وقس على ذلك خصائص (البشر والإنسان) و(الرسول والنبي) و(الموت والوفاة) و(القلب والعقل)!
كل إنسان بشر، وليس كل بشر إنسانا.
كل رسول نبي، وليس كل نبي رسولا..
إلى غير ذلك من القواعد الثابتة ضمن “الإعجاز اللفظي”!
بالنسبة لي، هذا النوع من الإعجاز؛ أكثر مصداقية مما تقدم ذكر من أنواع الإعجاز؛ كونه أقوى دليل أن القرآن وحي من قبل الله جل وعلا؛ معجزة من داخل القرآن قوي بذاته لا بغيره!
تلك الدقة التي صيغت بها بعض الألفاظ القرآنية (وهي بالعشرات) لا طاقة لبشر بأن يقوم بتلك الدقة والنسقية والسياقية والمنهجية عموما!
في حقيفة الأمر، لا غرابة في ذلك والله العليم الحكيم يقول:
” لتلقى القرآن من لدن عليم حكيم “.
” ولقد جئناهم بكتاب فصلناه على علم “.
إلى غير ذلك مما ذكر فيه أن القرآن فصل بعلم من لدن حكيم عليم خبير مبدع!
بالنسبة لي، مما ساهم في تقوية إيماني بالقرآن؛ مجال “علم العلم”، أقصد:
– ما هو العلم
– معايير العلم
– مراتب العلم
– أنواع العلم
– وسائل العلم
– قواعد العلم
– مقاصد العلم
– موانع العلم
– منهاج العلم.
إلى غير ذلك مما له علاقة ب “علم العلم”.
ومما يؤكد ما تقدم ذكره؛ ورد ذكر مادة (ع ل م) ومشتقاته في القرآن ما يزيد عن 800 مرة، ناهيك عن ذكر وسائله؛ السمع، البصر، الفؤاد، البصيرة، النظر، الفهم، الفقه، العقل، التدبر، الاعتبار، الاستبصار..
ما تقدم من تقدم إلا بالعلم في أمور الدنيا والآخرة.
العلم نور!
“العلم إمام العمل”؛ ولذلك أخذ حيزا واسعا من الاهتمام داخل القرآن الكريم!
سبق لي أن نشرت رسالة مطولة في الفيس تحت عنوان: “علم العلم في القرآن الكريم”، تحدثت عن الموضوع بشيء من التفصيل. ممكن الرجوع إليه من له الرغبة في معرفة ذلك.
معرفتي المتواضعة ب “علم العلم” من داخل القرآن الكريم هو الذي جعلني اتخذه إماما لي ومعلما ومرشدا وهاديا في أمور الدينا والآخرة والإيمان والعمران، وعلى أساسه قمت بعملية الاستدراك الذاتي وما زلت كل يوم اكتشف بلادتي أمام القرآن الكريم.