محمد أومليل
جمع بين الفقه والفكر، بدأ مسيرته العلمية بالأول وانتهى بالثاني ثم وظف الاثنين في خدمة القرآن الكريم وفق منهج محمد أبو القاسم حاج حمد الذي كان مختلفا معه حين كان مشرفا على تسيير ندوة (مائدة مستديرة) حضرها الأكابر من أهل العلم والفكر وكان المحاضر هو محمد أبو القاسم حاج حمد حول ورقة بحثية تحت عنوان (منهجية القرآن المعرفية)؛ كانت أفكارها صادمة لقيت اعتراضا كونها تحلق في السماء ومستعصية عن الفهم والاستيعاب!
كان ذلك سنة 2000، وبعدها ببضع سنين تبنى طه جابر العلواني تلك الأفكار الصادمة وألف في ذلك عدة كتب منها “منهجية القرآن المعرفية” عنوان الورقة البحثية لمحمد أبو القاسم حاج حمد، وكذلك “عالمية القرآن” وهو عنوان كتاب للدكتور حاج حمد، واستعمل “القراءتين؛ الوحي والكون”؛ كل ذلك كانت بمثابة أفكار صادمة صدرت عن حاج حمد، فتبناها الدكتور طه جابر العلواني. كما سنرى لاحقا.
طه جابر العلواني (2016،1935) عراقي فقيه ومفكر حصل على شهادة الدكتوراه في الشريعة والقانون من جامعة الأزهر تخصص أصول الفقه، أستاذ كرسي الإمام الشافعي الفقه وأصوله والفقه المقارن، مؤسس أكاديمة للدراسات القرآنية، رئيس جامعة العلوم الإسلامية والاجتماعية التي أصبحت (جامعة قرطبة) في الولايات المتحدة، رئيس المجلس الفقهي بأمريكا، إلى غير ذلك من أنشطة فقهية فكرية التي كان يترأسها، من ضمنها رئاسته للمعهد العالمي للفكر الإسلامي.
له عدة مؤلفات، كانت، في البداية، حول الفقه (ابتداء من سنة 1980)، ثم انتقل إلى الفكر (سنة 1994)، بعد ذلك ببضع سنوات انتقل إلى الاهتمام بالدراسات القرآنية، من ضمنها:
– الوحدة البنائية للقرآن المجيد
– لسان القرآن ومستقبل الأمة
– معالم في المنهج القرآني
– نحو منهجية معرفية قرآنية؛ عنوان الورقة البحثية لحاج حمد التي أفكارها كانت صادمة للدكاترة سنة 2000 وكان العلواني واحدا منهم!
– الجمع بين القراءتين: قراءة الوحي وقراءة الكون.
تلكم هي الأفكار التي تناولتها الورقة البحثية لحاج حمد؛ ربط الوحي بالكون، والغيب بالشهادة، والسنن الربانية بالإرادة الذاتية؛ من خلال منهجية قرآنية معرفية كونية.(1)
يرى طه جابر العلواني:
” أن لا سبيل للتعامل مع القرآن أفضل من التعامل المنهجي معه، وأوضح أن المنهج القرآني يصوغ الإشكاليات التي تواجه الإنسان صياغة منهجية دقيقة، ويراجع ما بني حول القرآن من تراث، كما يساعد في الكشف عن القراءات التجزيئية والمعضاة وتجاوزها إلى القراءة الجامعة و(الجمع بين القراءتين). وأكد العلواني في هذا البحث (معالم في المنهج القرآني) على قدرة القرآن على تخليص الاتجاهات العلمية والضوابط المنهجية وإعادتها إلى جادة الهدى والحق من جديد لتحقيق عالمية القيم “(2).
موضحا أن من ضمن المنهج القرآني رصد السنن الربانية:
” ونبه القرآن العقل الإنساني إلى أن يلاحظ ويجرب ويكتشف قوانين الكون وسننه التي لا تتبدل ولا تتغير، تلك القوانين التي أخضع الله سبحانه وتعالى لها الطبيعة والكون والحياة وجوانب هامة من حياة الإنسان (سنريهم ءاياتنا في الآفاق وفي أنفسهم حتى يتبين لهم أنه الحق).. القرآن المجيد بسننه وكونيته يمكن أن يبني ويؤسس الإطار الكوني الشامل للفكر الإنساني “(3).
يركز على ضرورة الجمع بين قراءتين للقرآن:
” منهجنا يبدأ ب (الجمع بين القراءتين)؛ قراءة الوحي وقراءة الكون، فالوحي ينبه إلى ما في الكون من عناصر ومؤثرات، وإلى ترابط الأسباب بالمسببات، وبين فعل الغيب في الواقع، وكيف يمكن رصد آثار هذا الفعل، وأين يبدأ الدور الإنساني وأين ينتهي أو يتوقف. وقراءة الكون يساعد على فهم الوحي والوعي عليه وعلى قضاياه، وحسن قراءته، وكيفية استدعائه للحضور الدائم والشهود المستمر لترشيد المسيرة الكونية “(4).
وجه عدة انتقادات للفقه التقليدي الموروث في تعامله الانتقائي التجزيئي:
” المنهج القرآني يساعد في الكشف عن القراءة التجزيئية والمعضاة وتجاوزها إلى القراءة الجامعة بين القراءتين “(5).
كما ينتقد تشددهم في بعض الأحكام دون أخذ بعين الاعتبار الآيات الواردة حول التوبة والعفو والرحمة ورصد مبررات التبرئة والتخفيف، بعد ما سرد ما تقدم ذكره مستدلا بعدة آيات من القرآن خلص إلى:
” كل ذلك لا يسمح بتصور وجود العقوبات المشددة كالرجم، فالعقوبات المشددة تعد أو تسلك في دائرة الانتقام والتنكيل “(6).
هدفه هو:
” تحقيق عالمية القيم: الهدى، الحق، التوحيد، التزكية، العمران، العدل، الحرية، الإحسان.
بسبب انفتاحه المعرفي وأفكاره المعتدلة وآرائه التنويرية؛ تعرض إلى عدة انتقادات واتهم في عقيدته ودينه وأنه لم تعد له صلة بإسلام السلف الصالح.
ذلك أمر طبيعي وقانون سوسيولوجي يندرج ضمن صراع بين أنصار القديم وأنصار الجديد؛ من خلالهما الاثنين يتقدم المجتمع بشكل متوازن بمعزل عن الجمود القاتل والذوبان الفاتن.
المراجع:
-1، سبق أن طرحنا تلك الأفكار سلفا تحت عنوان: محمد أبو القاسم حاج حمد، ضمن حلقات: الدراسات القرآنية بين القديم والحديث.
-2، طه جابر العلواني، معالم في المنهج القرآني، تقديم، مجلة الإحياء، ص 54.
-3، م س، ص 57 وما بعدها.
-4، م س، ص 64.
-5، م س، ص 65.
-6، م س، ص 68.
#محمد_أومليل_الدراسات_القرآنية_بين_القديم_والحديث