19 أغسطس 2025 / 11:21

الدراسات القرآنية بين القديم والحديث: جودت سعيد

محمد أومليل
يجمع بين البساطة والتعقيد، واللاعنف والقوة الناعمة، والفكر السنني وقيم الفطرة، له أفكار قوية وجد صادمة يقوم بتمريرها بلطف ورفق وحكمة!
بعد تجارب ومعارك وتأملات وعزلة في قرية صغيرة قرب الجولان توصل إلى أفكار جد صادمة اتهم بسببها بعدة تهم باطلة؛ مادي، علماني، خائن للقضية الفلسطينية!
مرد ذلك الموقف العدواني وتلك التهم الباطلة؛ عدم استيعابهم لأفكاره وغياب قابلية البحث عن أفكاره ودراستها من أجل الفهم والاقتناع، أو على الأقل التفهم والاختلاف.
جودت بن سعيد بن محمد (2022،1931) سوري من أسرة متواضعة مفكر فيلسوف درس في الأزهر الشريف بمصر ثم التحق بكلية اللغة العربية مارس مهنة التعليم، واستمر في تعليم نفسه بشكل عصامي حيث كان قارئا نهما، قبل رحيله إلى تركيا كان يعيش في قرية قرب الجولان مع والده وأسرته مشتغلا بالفلاحة، كان متأثرا بمحمد إقبال أخذ عنه “مفهوم الحق” (المتمثل في السنن الربانية)، التقى بمالك بن نبي بمصر، فانبهر بأفكاره التجديدية التي وافقت توجهه الفكري ومستواه النفسي وسلوكه الخلقي.
يحكي عن تأثره بمالك بن نبي للصحافية التونسية (هاجر بن حسين) في برنامج (قهوة تركية): أنه أصيب بصدمة بسبب ما وجده من أفكار جديدة في كتاب “شروط النهضة”، من ضمنها أن القضية الفلسيطينية عرض لمرض نفسي خطير؛ “القابلية للاستعمار”.
حسب ما يحكيه للصحافية، كانت تلك ثاني صدمة بعد صدمة بسبب ما سمعه من أمه وهو دون العشرة من عمره؛ سألها عن التشهد في الصلاة؟ فأجابته أن هناك عدة صيغات، والصيغة المعتمدة لديها صيغة الإمام الأعظم أبو حنيفة، مقابل صيغ لأئمة آخرين!
من ثم بدأ يفكر في معضلة تعدد الطوائف والفرق والمذاهب والطرق والجماعات..، ودين الله واحد!؟
كان جودت سعيد مناهضا للجهل والظلم والعقل الجمعي بمعتقداته وقيمه وعاداته وتقاليده وللطواغيت على اختلاف أنواعهم ومناهضا للاستبداد والاستعمار وقابلية الاستحمار، تعرض بسبب ذلك إلى الاعتقال مرات عدة، إلى أن غادر سوريا نحو تركيا فتوفي هناك ثابت على مواقفه السياسية وتوجهاته العقدية والفكرية.
ترك عدة مؤلفات كلها تنهل من القرآن الكريم كونه مصدر أفكاره وآرائه واجتهاداته ومفاهيمه المحورية، من ضمنها:
– مذهب ابن آدم؛ أول إصدار له سنة 1966
– حتى يغيروا ما بأنفسهم؛ سنة 1972
– اقرأ وربك الأكرم؛ سنة 1988
– مفهوم التغيير؛ ستة 1994
– رياح التغيير؛ 1995
– لا إكراه في الدين؛ سنة 1997
– العمل قدرة وإرادة؛ سنة 2023، آخر كتاب له.
ما تفدم ذكره مثالا لا حصرا..
له جهاز مفاهيمي استلهمه من القرآن الكريم كونه مرشدا له؛ مفاهيم بمثابة مفاتيح، على رأسها:
– التوحيد مقابل الشرك والطاغوت وكل ما يعبد من دون الله من بشر وأفكار، فضلا عن الحجر..
التوحيد، في نظر جودت سعيد، مسألة سياسية اجتماعية علائقية تراتبية حسب منطق القوة والجاه والمال والنفوذ، وليست مسألة ميتافيزيقية إلهية، التوحيد يعني المساوات بين البشر على الأرض على أساس: (أن لا نعبد إلا الله، ولا نشرك به شيئا، ولا يتخذ بعضنا بعضا أربابا من دون الله).
يتقن الحديث عن هذا المجال المحوري في تفكيره بتوسع وسلاسة وبيان في غاية الوضوح، حسب نظره، أغلب الناس لهم شرك في العبادة مع الاختلاف في الدرجة بين شخص وآخر..، مستدلا بكتاب الله المسطور:
” وما يؤمن أكثرهم بالله إلا وهم مشركون “.
وبكتاب الله المنظور من خلال شركيات متعددة منتشرة بين المتدينين.
كلما ذكر التوحيد إلا وذكر الطواغيت على اختلاف توجهاتهم ومشاربهم وأنواعهم بالتفصيل.
– الفكر السنني؛ السنن الربانية الناظمة للآفاق والأنفس، استنادا على ما ورد في القرآن الكريم في سور متعددة وسياقات مختلفة، مثل:
” ولن تجد لسنة الله تبديلا ولن تجد لسنة الله تحويلا “.
” سنريهم آياتنا في الآفاق وفي أنفسهم حتى يتبين لهم أنه الحق “.
فهم من ذلك، جودت سعيد، أن آيات الآفاق والأنفس، أي سنة الله في الكون وتجارب البشر والأحداث والتاريخ كل ذلك دليل على صحة وصدق القرآن، وجب رصد تلك السنن في الكتابين؛ المسطور والمنظور.
– الزيادة في الخلق؛ كل ما في الكون متحرك وغير جامد، بل قابل للحركة والزيادة بما في ذلك العلم، استنادا على قوله تعالى:
” يزيد في الخلق ما يشاء “.
” ويخلق ما لا تعلمون “.
” وإنا لموسعون “.
الزيادة تشمل كذلك العلم الذي لا يعرف حدودا ولا توقفا.
” وقل رب زدني علما “.
ذلك ما نلاحظ؛ كل يوم نسمع جديدا من العلوم والمعارف والفرضيات والنظريات..
حسب فهم جودت سعيد؛ وجود أي شيء كقانون وسنة ربانية حتى قبل وجوده بالفعل.
– اللاعنف؛ عرف جودت سعيد بذلك حتى سمي ب “غاندي العالم العربي” فسره ذلك كثيرا؛ ألف عدة كتب حول اللاعنف، بل تعد فكرة محورية تطرق لها في أغلب كتبه، وعلى رأسها:
– مذهب ابن آدم
– كن كابن آدم
– لا إكراه في الدين.
في نظره؛ العنف يولد العنف، وهو مرض العصر؛ العنف المادي والعنف الرمزي، العالم عنيف في نظره، والدليل على ذلك انتشار الأسلحة الفتاكة وعلى رأسها السلاح النووي!
مستشهدا بالبلدان التي تقدمت تقدما ملحوظا، بمعزل عن السلاح والعنف، ألمانيا واليابان.
– مفهوم النفعية؛ أي التركيز على الجدوى من التصورات والمناهج والأفكار والأعمال والمشاريع؛ تفاديا لاستنزاف الجهد والوقت والمال، الأهم ليس كثرة الأعمال، بل ما مدى الجدوى والمنفعة من تلك الأعمال في نفع العباد والبلاد ومن دوام الصلاحية.
– التغيير؛ كل ما تقدم ذكره من مفاهيم مفتاحية تخدم التغيير، بقدر ما يتم التوسل بما تقدم ذكره بقدر ما يتحقق التغيير المنشود، كون للتغيير سنن ناظمة له وجب العلم بها بالنسبة ل “دعاة التغيير”. ألف في ذلك الكتب التالية:
– حتى يغيروا ما بأنفسهم
– مفهوم التغيير
– رياح التغيير.
بالإضافة إلى تلك المفاهيم المفتاحية الخمسة، لديه بعض الآيات يرددها دوما كونها محكمات في نظره، من ضمنها:
” اقرأ باسم ربك..”
” لا إكراه في الدين ”
” سنة الله..”
” كذلك يضرب الله الحق والباطل..”
” لئن بسطت يدك لتقتلني فما أنا بباسط يدي إليك لأقتلك “.
إلى غير ذلك من آيات محورية ومؤطرة لتفكيره ومنهجه.
له تلاميذ من ضمنهم خالص جلبي..، وله نقاد كثر اتهموه بالمادي والعلماني والخائن..، بسبب اختلافه معهم حول ما يرونه من المسلمات المنزهة عن النقد، مع أنها أفكار بشرية وليست وحيا منزلا.
مما هو صادم للكثير من المسلمين؛ موقفه من “الصهاينة” وأصحاب “القضية العادلة” كلهم “عبد الجبت والطاغوت” لا يعبدون الله كما يليق لجلال وعظيم سلطانه، لذلك يذيق بعضهم بأس بعض بما كانوا يشركون ويظلمون!
تغمده الله بواسع رحمته وغفر الله لنا وله.