محمد أومليل
صاحب مفهوم “قابلية للاستعمار” مهتم بموضوعات الحضارة والمجتمع والثقافة والأفكار والديمقراطية والقيم الكونية والتغيير والفرد المسلم الذي ينبغي أن يكون فاعلا لكل ما تقدم ذكره؛ عبر عن ذلك في أغلب كتبه باللغة الفرنسية في بداية مشواره الفكري، ثم اعتكف على تعليم اللغة العربية نحوها وصرفها وبلاغتها فصار يكتب باللغة العربية.
أصبح من ضمن أعلام الفكر الإسلامي في القرن العشرين، غير أن فكره نخبوي وليس لعامة الناس؛ من حيث الموضوعات والمصطلحات والتعبير اللغوي والعلوم المعتمدة مثل علم النفس وعلم الاجتماع وعلم التاريخ وقلة استشهاد بالنصوص القرآنية، وإن كان يعتمد كثيرا على مضامين القرآن ومفاهيمه ومقاصده الكبرى. على العموم فكره إسلامي، تنقصه نفحات روحانية، يمرره بلغة العصر.
رأى النور بالجزائر سنة 1905 وتوفي سنة 1973، مسلم سني من أسرة مسلمة محافظة أبوه كان موظفا بالقضاء الإسلامي، عاش بين الجزائر وفرنسا ومصر بالإضافة إلى كثرة سفره، مهندس كهربائي تكوين فرنسي فيلسوف كاتب، كان متأثرا بالمدرسة الخلدونية وأصحاب التوجه النهضوي مثل محمد عبده وعبد الرحمن الكواكبي..، ومن ضمن تلامذته: جودت سعيد وخالص جلبي.
له حظ وافر من الثقافة الإسلامية متأثر بالقرآن الكريم لا سيما في ما له علاقة باهتماماته؛ التاريخ، المجتمع، الحضارة، الفكر، التغيير..، بالإضافة إلى القيم الإيمانية والأخلاقية، بمعزل عن ما هو سائد لدى السلفية والوهابية وأغلب الإسلامين من موضوعات: مؤمن/كافر، سنة/بدعة، حلال/حرام، إلى غير ذلك من التقابل المتداول لدى الفكر التقليدي.
كان مالك بن نبي كثير النقد، لقد انتقد جمال الدين الأفغاني والمفكر الفرنسي روجي جارودي والمؤرخ عبد الله العروي وصفه بالسفسطة والأدلجة، وغيرهم من أكابر أهل العلم والفكر..؛ صدر ذلك عنه في بعض محاضراته بشيء من العصبية والغضب والانفعال لقي استحسانا وتصفيقا من قبل الجمهور في القاعة!
مخالف تماما لأسلوبه في الكتابة؛ هدوء ورزانة ورفف وتؤدة واستدلالات عقلية منطقية علمية!
على العموم القرآن بالنسبة لمالك بن نبي: “منهج حياة ومصدر إلهام ووحدة متكاملة وظاهرة فريدة جدير بالدراسة والتدبر والبحث والتحليل ورصد درره ومواطن قوته ودروسه وعبره وسننه الناظمة للآفاق والأنفس “.
له عدة مؤلفات باللغة الفرنسية والعربية، أغلب مواضيعها حول المجتمع والحضارة والثقافة والتغيير والقرآن، من ضمنها:
– شروط النهضة
– ميلاد مجتمع
– مشكلة الثقافة
– مشكلة الأفكار في العالم الإسلامي
– الفكرة الإفريقية الأسيوية؛ أثار جدلا واسعا ولقي عدة انتقادات.
– من أجل التغيير
– الظاهرة القرآنية.
الكتاب الأخير قام بتقديمه الدكتور محمد عبد الله دراز، والأستاذ محمود محمد شاكر؛ نوها الإثنان بالكتاب وبالقيمة المضافة التي تفضل بها مالك بن نبي والأسلوب الفريد والجديد الذي صيغ به الكتاب، مع الإشارة إلى بعض الملاحظات تلميحا وليس تصريحا وبأدب جم.
منهجه المعتمد ذكره في مستهل الكتاب، بعد ما انتقد “المفسرين التقليديين” (النعت له سوف يأتي ذكره لاحقا) كونهم لا يمتلكون منهجا كاملا في التعامل مع القرآن:
” ولكن يبدو أن جهود هؤلاء العلماء على الرغم من أنها لا تغفل الجانب الاجتماعي في علم التفسير لم تحدد منهجها الكامل “(1).
أما في ما يتعلق بمنهجه المعتمد:
” الاهتمام بتحقيق منهج تحليلي في دراسة الظاهرة القرآنية، وهو منهج يحقق من الناحية العملية هدفا مزدوجا:
١-أنه يتيح للشباب المسلم فرصة التأمل الناضج في الدين.
٢-وأنه يقترح إصلاحا مناسبا للمنهج القديم في تفسير القرآن”(2).
بالإضافة إلى توسله بما تعلمه من العلوم الغربية الحديثة ومناهجها الجديدة واطلاعه على بعض كتابات المستشرقين حول القرآن الكريم، بما في ذلك مقارنته بين القرآن والكتب المقدسة ورصد ما بينهما من عموم وخصوص:
” وعلى الرغم من أن القرآن يعلن بكل وضوح هذا التشابه والقرابة إلى الكتب السابقة، فإنه يحتفظ بصورته الخاصة في كل فصل من فصول الفكرة التوحيدية “(3).
وقف عند الإعجاز القرآني وميز بين القديم “الإعجاز الأدبي” والجديد “الإعجاز العلمي”:
” إن الجانب الأدبي للرسالة، ذلك الذي كان في نظر المفسرين التقليديين موضوع الدراسة الأول، يفقد بعض أهميته شيئا فشيئا في عصرنا الذي يهتم بالعلم أكثر من اهتمامه بالأدب “(4).
القرآن الكريم، في نظره، يحفز على القيام بحركة روحية تاريخية اجتماعية حضارية؛ وجب على المسلمين بالقيام بهذا الدور الرسالي الملقاة على عاتقهم على غرار ما كان عليه الأجيال الأولى من تاريخ المسلمين، حين كان الغرب في عصر الظلام وكان المسلمون في أوج العطاء الحضاري والازدهار العمراني.
كثيرة هي المواضيع التي ناقشها مالك بن نبي انطلاقا من القرآن الكريم، من ضمنها: طبيعة الوحي، الحركة النبوية، خصائص النبوة، العصر القرآني، التنجيم، الرسالة، أخرويات، كونيات..، إلى غير ذلك مما هو أهم في نظر مالك بن نبي.
تعرضت أفكاره للنقد من قبل بعض أهل العلم والفكر مثل:
– الأستاذ عبد السلام ياسين سنة 1972 في كتابه: (الإسلام بين الدعوة والدولة):
” التلفيق الحضاري: من بين كتابنا المسلمين المعاصرين رجل مكثر تحمل كتبه عناوين إسلامية، ويقبل على قراءته الشباب المتعطشون للإسلام. وهو مالك بن نبي مؤلف كتاب (فكرة الافريقية الأسيوية).. الأستاذ مالك بن نبي طالب حضارة وثقافة.. وليس طالب إسلام ولا رجل دعوة “(5).
– عبد الله العروي؛ ينتقده، (في إحدى حواراته مع الإعلامي التونسي المميز مالك التريكي)، كونه يرجع بنا إلى الماضي (يقصد التراث الإسلامي). الناقد الأول أعلاه يراه لا علاقة له بالدعوة والإسلام. والناقد الثاني يراه غارقا في التراث الإسلامي!
– سيد قطب في كتابه (معالم في الطريق):
” أنا أعذر هذا الكاتب (يقصد مالك بن نبي اختلف معه حول مفهوم حضارة ومتحضر كون عنوان الفقرة: “الإسلام هو الحضارة”) لقد كنت مثله من قبل، كنت أفكر على النحو الذي يفكر فيه هو عليه الآن (يقصد تفكير أجنبي).. لم أكن قد تخلصت بعد من ضغط الرواسب الثقافية في تكويني العقلي والنفسي، وهي رواسب آتية من مصادر أجنبية “(6).
بالضمن أن مالك بن نبي واقع تحت ضغط فكر أجنبي.
إلى غير ذلك من النقاد الذي ساهموا في مناقشة آراء مالك بن نبي.
كاتب هذه السطور لاحظ بدوره بعض الملاحظات في كتابه (الظاهرة القرآنية):
لقد نظر “للوصايا العشر” الواردة في التوراة والإنجيل بشكل سلبي: “صاغت التوراة الميثاق الخلقي الأول للإنسانية في وصايا العشر، وساق الإنجيل توجيهاته في عظة المسيح على الجبل (نفس الوصايا العشر)، ولكن الأمر في الكتابين كليهما أمر مبدأ أخلاقي سلبي “(7).
نفس الوصايا العشر، تقريبا مع الاختلاف في الصيغة والترتيب، وردت في القرآن الكريم (سورة الأنعام الآية 151، “قل تعالوا اتل ما حرم ربكم عليكم”).
فهل يعد ذلك: “أمر مبدأ أخلاقي سلبي”؟!
على أي، الكل يؤخذ منه ويرد، والكل يصيب ويخطئ، وكل مجتهد لا تخلو إنجازاته من نفع، الصواب؛ المقاربة الشمولية والرؤية الموضوعية دون تقديس أو تبخيس.
المراجع:
-1، مالك بن نبي، الظاهرة القرآنية، ص 66.
-2، م س، ص 60.
-3، م س، ص 220.
-4، م س، ص 211.
-5، ص 319.
-6، ص 107.
-7، ص 228.