محمد أومليل
يشكل شبستري، بالإضافة إلى كل من مصطفى ملكان ومحسن كديور وعبد الكريم سروش، رواد التنوير الديني، حاليا، في إيران على وجه الخصوص، وفي العالم الإسلامي بشكل عام. شبستري مشهور بالهرمنيوطيقا؛ من يذكر الأول يتذكر الثانية تباعا، كونها لصيقة به ومهتم بها بشكل كبير، لدرجة العشق والهوس، أكثر ممن لهم اهتمام بالهرمنيوطيقا، ضمن المسلمين عربا وعجما؛ سورش، أركون، حنفي، نصر أبو زيد، علي حرب..
محمد مجتهد شبستري إيراني شيعي من مواليد 1934 مفكر فيلسوف فقيه متكلم أستاذ الإلهيات المقارنة والدين المقارن وتأريخ الأديان وتأريخ العرفان والدراسات القرآنية، يعد مؤسس للتحليل الهرمنيوطيقي في إيران، وقد تسببت آراؤه في هذا المجال الكثير من الجدل، درس بالحوزة ما يقرب من عشرين سنة فما لبث أن أصبح من نقادها متوجها إلى الدراسات الغربية الحديثة متوسلا بها في فهم النصوص الدينية بنزعة إنسانية وقيم كونية، بلور من خلال ذلك “علم الكلام الجديد”، مهتم كثيرا بالهرمنيوطيقا، يتقن الفارسية والألمانية والعربية، حاصل على الدكتوراه في الفلسفة.
متأثر بالطباطبائي، علي شريعتي، ومرتضى مظهري، ومن فلاسفة الغرب؛ بول تيليش، كارل رانر، كارل بارت.
له عدة مؤلفات من ضمنها:
– دراسة النظريات ونقدها
– تأملات في القراءة الإنسانية للدين
– نقد القراءة الرسمية للدين
– الإسلام المدني
– سر الإعجاز القرآني
– مدخل إلى علم الكلام الجديد
– الهرمنيوطيقا الكتاب والسنة.
الكتاب الأخير أثار جدلا واسعا وجلب إليه عداوة أغلب علماء الحوزة داخل إيران، وبعض علماء الدين في العالم الإسلامي.
أغلب علماء الدين، بشكل عام، يرفضون الهرمنيوطيقا ويتخوفون منها، لديهم نفس الموقف تجاه المناهج الغربية الحديثة، رغم أن هدفها ومضمونها يتمحور حول فهم النصوص؛ نفس الأمر لدى بعض علوم الشريعة تجاه النصوص الدينية بغية فهمها فهما سليما، من ضمن تلك العلوم المساهمة في فهم النصوص:
– علوم اللغة العربية
– علوم القرآن
– علوم الحديث
– أصول الفقه.
بمعزل عن تلك العلوم لا يمكن فهم النصوص الدينية قرآنا وحديثا.
لنأخذ مثلا هذه الآية الكريمة:
” يا أيها الذين آمنوا لا تقولوا راعنا وقولوا انظرنا “.
لفهم هذه الآية فهما سليما الذي يفضي إلى حسن التفسير والتأويل يقتضي التوسل بتلك العلوم:
– أسباب النزول من ضمن كتب الحديث والسير
– مراعاة صحة السند والمتن؟
– المعاني اللغوية العربية والعبرية والاصطلاحية؟
– الآية بين دلالة النص ودلالة المنطوق ودلالة المفهوم والقطعي والظني؟
– النهي في الآية الكريمة هل يفيد التحريم أو الكراهية؟
– وكذلك الأمر الوارد في الآية الكريمة هل يفيد الوجوب أم الندب؟
إلى غير ذلك من العلوم المساهمة في فهم الآية وتفسيرها وتأويلها؛ “هرمنيوطيقا كلاسيكية”.
بالمناسبة، الهرمنيوطيقا ليست وليدة عصر الحداثة، بل هي قديمة قدم الحضارات والعلوم والثقافات والفلسفة؛ والدليل على ذلك أن أصل الكلمة يوناني تفيد التفسير والتوضيح والترجمة. “هرمنويطيقا كلاسيكية”. غير أن “الهرمنيوطيقا الحديثة” أصبحت ممنهجة مقعدة؛ علما قائما بذاته.
من ضمن معاني “الهرمنيوطيقا الحديثة”: “علم التأويل”، “علم التفسير”، “علم التخريج”؛ كل ذلك متداول ضمن “علوم الشريعة”.
صحيح، أن “الهرمنيوطيقا الحديثة” تتوسل بعلوم حديثة لفهم النصوص ومناهج جديدة، واستنادا عليها سوف يفهمون “الآية الكريمة” فهما مخالفا لفهم علماء الدين التقليديين، وسوف يستخرجون من العجب العجاب!
للأسف، المتحكم في الصنفين (الكلاسيكي والحديث)؛ التوجهات الأيديولوجية وهوى النفس والمصالح الخاصة.
مما يركز عليه شبستري وسورش أن نصوص القرآن ثابتة وفهم النصوص متغيرة ومحل اختلاف من مؤول لآخر، ومن زمن لغيره..، بحكم تطور ونمو السقف المعرفي دون توقف..
لنرجع لما كنا بصدده؛ شبستري له منهج متعدد للتعامل مع النصوص الدينية وعلى رأسها نصوص القرآن الكريم، منهج مركب من معرفته الواسعة بالدراسات الإسلامية والمناهج الغربية الحديثة وعلى رأسها المنهج الهرمنيوطيقي.
ذكر شبستري في الفصل الأول من كتابه (الهرمنيوطيقا الكتاب والسنة) خمس مقدمات لها علاقة بالمفسر للنصوص:
1 قبليات وأوليات المفسر (الخلفية الثقافية).
– ميول وتطلعات المفسر (هدفه المعرفي من النص).
– استنطاقه لتاريخ النص (السياق الثقافي والاجتماعي والسياسي)
– تشخيص مركز المعنى المقصود من النص (البؤرة) (تفسير النص كمجموعة تدور حول الفكرة المحورية للنص)
– ترجمة النص إلى الإطار التاريخي للمفسر (رصد الظروف التاريخية للمفسر).
يتضح من خلال تلك المقدمات الخمس؛ مركزية المفسر ومدى تأثيره على النص، بخلاف تعامل علماء الدين التقليديين حيث يجعلون النص هو المركز والمفسر تابع له، أي غلبة النقل على العقل؛ وذلك ما ينتقده بشدة شبستري ومن نهج نهجه من أصحاب المناهج الغربية الحديثة.
استنادا على تحليله الهرمنيوطيقي خلص إلى مجموعة أفكار صادمة، من ضمنها ما يلي:
” النص القرآني هو كلام النبي وليس كلام الله سبحانه وتعالى، وأن جميع معارف ومضامين القرآن الكريم لا تعدو مجرد قراءة شخصية للنبي..
لا يرى للقضايا والعبارات الدينية معان ثابتة كونه ينحاز إلى نظرية التطور والنسبية في معاني النصوص الدينية، وهذا هو ما تذهب إليه الهرمنيوطيقا الفلسفية الحديثة التي هايدغر وغادامر من أبرز من يمثلها “(1).
المفارقة الغريبة أن ما طرحه شبستري من آراء لقيت اعتراضا من قبل علماء الدين كونه ذهب بعيدا في تأويله للنصوص لدرجة وقوعه في المحظور وخروجه عن إجماع الأمة؛ بارتكابه بدعة علمانية وضلالة غربية. واعتراضا من قبل أنصار الهرمنيوطيقا الذين لهم موقف سلبي من التراث الديني عموما، من ضمن هؤلاء (الدكتور نادر الحمامي) حيث ورد ضمن انتقاداته:
شبستري لم يلتزم بالمقدمات الخمس بدليل أنه جعل المركزية للنص وليس للمفسر كما يعتقد بذلك هو نفسه، ولم يأت بتفسير صادم ومؤلم ومقلق وموجع، ولم يقوم بخلخلة النصوص الدينية، ولم يأتي بشيء جديد، بل كرس ما هو متداول قديما وحديثا في السرديات الدينية التقليدية، حيث خلص إلى تأويل مريح مطمئن توفيقي وتلفيقي أحيانا (2).
على العموم، الدرس، بالنسبة لي، الانفتاح على ما استجد من مناهج وعلوم مع مراعاة محكمات القرآن ومقاصده الكبرى والقيم الأخلاقية النبيلة والقوانين الناظمة للآفاق والأنفس؛ بمعزل عن الذوبان المطلق دون معايير وبوصله، وعن الانغلاق والتزمت والجمود الدوغمائي والإمعية العمياء والتقليد البليد والتكرار والاجترار.
كما أن هناك دراسات إسلامية قديمة رهينة بمناهج وسقف معرفي محدود زمنيا، كذلك أصبحت هناك دراسات إسلامية حديثة تعتمد على مناهج جديدة وفق سقف معرفي جد مرتفع وفي نمو مضطرد.
وكلا الصنفين يؤخذ منهما ويرد دون تقديس أو تبخيس.
مما يحفز على الانفتاح المعرفي قوله تعالى: “وقل رب زدني علما “.
وفي قصة نبي الله موسى والرجل الصالح (الخضر) عبر ودروس في المنهج المعرفي، من ضمنه: المطلق والنسبي في مجال المعرفة!
بالإضافة إلى الحديث النبوي: “الحكمة ضالة المؤمن أنى وجدها فهو أحق الناس بها”.
المراجع:
-1، علي رباني گلبايگاني، الهرمنيوطيقا ومنطق فهم الدين، ص 45 وما بعدها.
-2، الدكتور نادر الحمامي، “ما قبليات في فرضيات محمد مجتهد شبستري”، على منصة اليوتيوب.