محمد أومليل
ما تحدثنا عنه في المقالات السابقة يندرج ضمن “الاستشراق الكلاسيكي” على اختلاف توجهاته ومناهجه ومدارسه وأهدافه بين المحمود والمذموم، بحيث لا يمكن وضع الاستشراق بمجمله في سلة واحدة؛ ذاك ليس من الإنصاف في شيء ومخل للعلم.
على العموم لقد ساهم الاستشراق في إغناء مكتبة الدراسات القرآنية، بحيث عدد الدراسات، في مختلف الموضوعات القرآنية، بلغت 8000 دراسة، حسب بحث بليوغرافي، في مدة خمسة قرون، حظ الأسد كان من نصيب ألمانيا!
“المستشرقون الجدد” ظهروا أواخر القرن العشرين؛ يتقدمهم المستشرق البريطاني (برنارد لويس) يظهر عداءه للإسلام والمسلمين بشكل واضح مشرف على مشروع تفتيت العالم العربي والإسلامي.
أغلب المستشرقين الجدد هدفهم تشويه الإسلام وتخريبه من الداخل.
بخلاف “الاستشراق الجديد” الذي تشرف عليه مؤسسات غربية جزء كبير منه له أهداف إبستيمولجية بحت.
من المستشرقين الجدد؛ سأذكر بعض الأسماء البارزة على سبيل المثال لا الحصر، يأتي في المقدمة:
– برناد لويس (2018،1916) بريطاني متخصص في التاريخ الإسلامي له عدة كتب تعبر عن عدائه للإسلام والمسلمين، مثل: (أزمة الإسلام والحرب المقدسة والإرهاب المدنس).
– باتريشيا كرون أمريكية (2015،1945) لها كتاب: (Hagarism) تنفي عن القرآن أصالته وموطنه الأصلي وتربطه بالكتب المقدسة السابقة وبالشام.
– مايكول كوك بريطاني معاصر شارك باتريشيا كرون في إنجاز الكتاب أعلاه..، له عدة كتب تساهم في تشويه الإسلام.
– كريستوف لوكسنبرغ ألماني معاصر، اشتهر بكتاب: (قراءة آرامية سريانية للقرآن)؛ أغلب ما ورد في القرآن من مفردات ربطها ربطا تعسفيا بالآرامية والسريانية من حيث اللفظ وألبسها معاني صادمة مخالفة للمعهود العربي واللسان القرآني، وأعاد تنقيط وتشكيل القرآن حسب ما يخدم توجهه الأيديولوجي؛ لقي اعتراضا قويا أكاديميا، ومع ذلك يتم الترويج له من قبل بعد تلامذته العرب وعلى رأسهم المغربي الباحث في المخطوطات محمد المسيح.
– سامي الذيب سويسري من أصل فلسطيني مسيحي ويفتخر بمسيحيته له عشرات الكتب حول مهاجمة القرآن، وله قناة يمرر فيها سمومه، من ضمن تلك الكتب: (الأخطاء اللغوية في القرآن) (الفاتحة وثقافة الكراهية). يعد صديقا حميما لكريستوف لوكسنبرغ بمثابة أستاذه المبجل يستضيفه، في قناته بين الفينة والأخرى، يتعامل معه بكثير من الاحترام والانبهار والتقدير والتلمذة المطلقة؛ لاحظت ذلك شخصيا كونه واسع الاطلاع متمكن من عدة لغات بما في ذلك اللغة العربية وفصيح اللسان ويتقن فن الحوار والكلام مع جمال لكنته المتميزة المنغمة.
– أنجليكا نويفرت ألمانية معاصرة ترأس وحدة أبحاث كوربوس القرآن في برلين، لها عدة دراسات القرآنية، من ضمنها: (وجهان للقرآن) (القرآن والمصحف) (تاريخانية النص القرآني). من باب الإنصاف ليس لها موقف عدواني تجاه الإسلام والمسلمين، بل هي تلميذة لثيودور نودلكه ملتزمة بمنهجه التاريخي اللغوي النقدي، له توجه إبستيمولوجي بحت، مساهمة في الاشتغال على مشروع قرآني كبير تحت رئاستها باسم وحدة أبحاث (كوربوس القرآن) بمشاركة فريق عمل.
هناك مستشرقون آخرون من أهل الاختصاص في المخطوطات القرآنية، القليل منهم منصفون، وأغلبهم يفصلون القرآن عن القرن السادس ويربطونه تاريخيا بالقرن السابع والثامن من خلال عدة علوم اختبارية، مثل: علم المخطوطات، علم الخطاطة، علم فقه اللغة، علم المعاجم، الكربون 14، إلى غير ذلك من علوم اختبارية، لا تخلو من تزوير وتلفيق وتشويه!
من ضمنهم:
– غرد روديغر بوين ألماني معاصر.
– فرانسوا ديروش فرنسي معاصر.
على هؤلاء تتلمذ الباحث في المخطوطات محمد المسيح مروجا لأطروحاتهم التي لا تخلو من تزوير من ضمن ذلك تفنيدهم لتاريخ مخطوطة برمنغهام الذي يرجع تاريخها إلى العهد النبوي حسب نتائج كربون 14!
مفارقة غريبة؛ حتى علم الآثار والحفريات لم تنجو من التحريف وشهادة الزور بسبب التحيزات الأيديولوجية!
ومن باب الشيء بالشيء يُذكر، الباحث محمد المسيح قد يستفاد منه مع أخذ الحذر من أبحاثه حيث له كتب في الموضوع من ضمنها: “مخطوطات القرآن مدخل لدراسات المخطوطات القديمة”.
ما تقدم ذكرهم حول “المستشرقون الجدد” على سبيل المثال لا الحصر.
أما فيما يخص “الاستشراق المؤسساتي”؛ له توجه علمي معرفي إبستيمولوجي بمعزل عن الإقصاء والتبخيس والتشويه والمواقف العدوانية، بل لديه مشاريع كبرى منها ما تم إنجازه ومنها ما زال رهن الاشتغال. من ضمن تلك المشاريع:
– مشروع (النص القرآني) ويطلق عليه كذلك (كوربوس القرآن). تحت إشراف المستشرقة إنجليكا تويفرت، سبق ذكرها أعلاه.
– مشروع (مجمل النصوص المتعلقة بالقرآن) تحت إشراف فريق عمل.
– مشروع (الجينوم القرآني) تحت إشراف فريق عمل بألمانيا.
– مشروع (القرآن الأوروبي) الهدف منه رصد الموضوعات التي لها علاقة بالعمران والمعارف والعلوم والقيم الأخلاقية والروحية.
إلى غير ذلك من المشاريع التي يشرف عليها “الاستشراق الجديد” تسهر عليها مؤسسات بميزانية مالية ضخمة لرصد مواطن قوة القرآن الكريم.
هذا باختصار شديد بمثابة حافز للمزيد من الاطلاع والبحث حول “المستشرقون الجدد” و”الاستشراق الجديد”.