27 يوليو 2025 / 20:34

الدراسات القرآنية: العروي والجابري وتلامذة المستشرقين

محمد أومليل

معلوم أن أغلب من قاموا بدراسة نقدية للتراث الإسلامي بشكل عام، وللقرآن على وجه الخصوص، كانوا متأثرين ببعض المستشرقين الذين كان همهم نقد التراث الإسلامي والكتاب المقدس، تتلمذ بعضهم عليهم مباشرة أكاديميا، والبعض من خلال كتبهم ومناهجهم وأفكارهم الرئيسية، وعلى رأس هؤلاء التلامذة طه حسين.
قام بعض الباحثين بدراسة مقارنة بين ما صدر في بعض كتب طه حسين، وبين كتب بعض المستشرقين؛ فرصدوا تطابقا في غاية الوضوح كأنه منقول حرفيا.
من ضمن هؤلاء الباحثين المختص في دراسة الاستشراق والمستشرقين أنور الجندي ذكر بعض الأدلة على تلك التلمذة في كتابه “مؤلفات في الميزان”، ومما ورد فيه أن كتاب (الشعر الجاهلي) منقول عن المستشرق مرجليوث، ونفس الرأى ذكره محمد شاكر”(1).
” عقد محمد البهي مقارنة بين ما كتبه طه حسين في كتاب (الشعر الجاهلي) وبين ما كتبه المستشرق جب في كتابه (المذهب المحمدي) وانتهى من تلك المقارنة إلى أن الأهداف والنتائج واحدة “(2).
هو نفسه طه حسين نوه بأهمية دراسات المستشرقين في بعض كتبه، من ضمنها (الأدب الجاهلي).
تلمذة طه حسين كانت واضحة كونه التقى مع بعضهم في جامعة السوربون حين كان من ضمن الطلابة الذين كانوا يدرسون هناك بفرنسا.
يليه علي عبد الرزاق حول كتابه: (الإسلام وأصول الفقه)؛ خضعوه لمنهج المقارنة فاتضح أنه منقول من بعض المستشرقين.
” قدم الدكتور (الريس) أدلة قوية ترجح وتثبت أن أصل كتاب علي عبد الرزاق هو بحث للمستشرق مرجليوث، نفس الرأي لدى محمد بخيت”(3).
في الغالب كل من قام بدراسة نقدية للتراث الإسلامي بشكل عام، كان مصدره المعتمد بالدرجة الأولى المستشرقين ومناهجهم الحديثة، مثل: محمد عبده، قاسم أمين، أحمد أمين، ناصر حامد أبو زيد، حسن حنفي، محمد أركون، محمد الشرفي، محمد عابد الجابري، عبد الله العروي..، والقائمة طويلة اقتصرت على ذكر من لهم شهرة واسعة، هناك عشرات مغمورون ذكورا وإناثا، لا سيما في مصر وتونس.
في ما يخص عبد الله العروي، فقد درس في السوربون كان من ضمن أساتذته المستشرق هنري لاوست وقد أشرف على أطروحة العروي لنيل شهادة الدكتوراه سنة 1976، وقد صرح عبد الله العروي بذلك للإعلامي سليمان الهتلان في برنامج (حديث العرب) بقناة سكاي نيوز عربية، حيث أخذ عن المستشرقين المنهج التاريخي النقدي، وقد ناقش بعضهم وأثنى على بعضهم، ورد ذلك في بعض كتبه مثل: (تاريخ المغرب والأصول الاجتماعية والثقافية للوطنية المغربية) و(الأيديولوجيا العربية المعاصرة)، لا سيما في دراسته القيمة التي كرسها لأعمال المستشرق النمساوي غوستان جرونبوم”(4).
من يقرأ كتاب عبد الله العروي (السنة والإصلاح) سوف يجد نقدا صريحا للسنة، ونقدا تلميحا للقرآن، اعتمادا على مناهج المستشرقين؛ النقدي، التاريخي، الأركيولوجي. ومما ورد في الكتاب بالمعنى (بناء على الذاكرة) قد تفاجئنا يوما ما علم الآثار بما يفند ما نعتقده من المسلمات!
بالمناسبة، على ذكر الأستاذ الذي درس عبد الله العروي في السربون، أي المستشرق هنري لاوست، فإنه الذي روّج لفقه ابن تيمية المتشدد في أوائل القرن العشرين (بشهادة تلميذه عبد الله العروي، صرح بذلك في المصدر الذي تقدم ذكره)، متخصص كذلك في المذهب الحنبلي.
بالنسبة لمحمد عابد الجابري، فقد أخذ عن المستشرقين النقد الإبستيمولوجي، وتأثر كثيرا بالمستشرق ثيودور نولدكه حيث اعتمد عليه وعلى ترتيبه للقرآن حسب النزول، ذكره في الجزء الأول (النظري)، أي (مدخل إلى القرآن الكريم) وطبق منهج نولدكه في الجزء الثاني (فهم القرآن الحكيم التفسير الواضح حسب ترتيب النزول).
عموما، جل من قام بدراسة نقدية للتراث الإسلامي، والدراسات القرآنية الحديثة؛ فمصدر ذلك المستشرقون ومناهجهم المتعددة: التاريخي، الفيلولوجي، الكوديكولوجي، الميتودولوجي، ليكسكولولوجي..، إلى غير ذلك من مناهج المستشرقين الحديثة.
من باب الإنصاف، أغلب هؤلاء التلامذة كانت لهم نقود قيمة للإستشراق والمستشرقين في الجانب السلبي مع التنويه لما صدر عنهم من علم نافع من حيث الاستدراك والقيمة المضافة العلمية، من ضمن ذلك اكتشافهم لمقدمة ابن خلدون مثالا لا حصرا، ناهيك عن اكتشافهم لكم هائل من المخطوطات العربية من ضمنها مصاحف وآيات قرآنية مسطورة ومنقوشة!
على أي كل مصادر المعرفة يؤخذ منها ويرد وفق معيار منهجي علمي رصين، من ضمن قواعده: محكمات القرآن ومقاصده الكبرى، القيم الأخلاقية النبيلة، القوانين الناظمة للآفاق والأنفس.
المراجع:
-1، ص 37.
-2، الفكر الإسلامي الحديث، ص 190.
-3، إسماعيل علي محمد، تلامذة المستشرقين، الألوكة.
-4، الاستشراق في مرآة عبد الله العروي، الخليج.