محمد خياري
يبرز جلالة الملك محمد السادس في الساحة الدولية، حيث تتلاطم أمواج المصالح وتتصارع رياح الطموحات، كمنارةٍ للحكمة والتأني، متوشحًا برداء الخُلق النبوي الذي ينسج من نور الوحي خيوطًا من الصبر والرحمة والعدل. إن تعامله في العلاقات الدولية يعكس روحًا عميقة، مستلهمة من سيرة النبي صلى الله عليه وسلم وتعاليم القرآن الكريم التي تحث على إصلاح ذات البين، ومد يد الأخوة، والتحلي بـالصبر الجميل في وجه التحديات. هذا النهج ليس مجرد استراتيجية سياسية عابرة، بل هو انعكاس لروحٍ متجذرة في القيم النبوية التي تدعو إلى السمو بالنفس فوق صغائر الخلافات، وإلى بناء جسور المحبة حتى في أحلك الظروف.
السيرة النبوية، ذلك المحيط الزاخر بالدروس والعبر، تقدم نموذجًا ساميًا للأخلاق يتجلى في الرحمة والصبر والحكمة. قال الله تعالى: (وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِّلْعَالَمِين. الأنبياء: 107)، فكان النبي صلى الله عليه وسلم قدوةً في التعامل مع الأعداء والأصدقاء على حدٍ سواء. لقد كان النبي صلى الله عليه وسلم رمزًا للصبر في مواجهة الأذى، وحليمًا في وجه الجهل، والرحمة حتى مع من أساء. وفي هذا السياق، يتجلى خُلق الملك محمد السادس كمرآةٍ تعكس نور السيرة النبوية، حيث يتخذ من الصبر والحكمة أسلوبًا في إدارة العلاقات الدولية. إن نظره في التحديات الدولية يكشف عن قلبٍ ينبض بالإيمان بأن الأخوة الإنسانية أعمق من التوترات السياسية، وأن الحوار الصادق هو السبيل إلى إحياء الروابط الإنسانية.
هذا النهج يذكّرنا بقول الله تعالى: (وَاصْبِرْ فَإِنَّ اللَّهَ لَا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ. هود: 115). فالصبر، كما تجلى في سيرة النبي صلى الله عليه وسلم، ليس مجرد تحملٍ للصعاب، بل هو فعلٌ روحيٌ يرتقي بالنفس إلى مقام الإحسان. لقد تحمل النبي صلى الله عليه وسلم أذى قريش، وصبر على مكرهم، حتى فتح الله عليه بالنصر، ليس بالسيف وحده، بل بالحكمة والرحمة. وهكذا، يجسد الملك محمد السادس هذا الصبر الجميل، فلا يقابل التوتر بالتصعيد، ولا الخلاف بالخصام، بل يمد يد السلام، داعيًا إلى حوارٍ يقوم على الصدق والمسؤولية.
في خطاباته المتعددة، يظهر جلالة الملك محمد السادس كـرجل دولة لا يسعى إلى تأجيج الخلافات، بل إلى تهدئتها بروحٍ نبويةٍ تدعو إلى الوئام. لقد أكد مرارًا على أهمية الروابط الإنسانية والتاريخية التي تجمع بين الشعوب، حتى في أوقات التوتر. في إحدى خطبه الشهيرة، قال جلالته: “ما دمتُ ملكًا للبلاد، فلن يصدر عن الشعب المغربي أي تهديد أو أذى تجاه جاره”. هذه الكلمات، التي تنم عن موقفٍ تجاه الجزائر كـنموذج للجوار، ليست مجرد عباراتٍ دبلوماسية، بل هي تعبيرٌ عن إيمانٍ عميق بالقيم النبوية التي تحض على حفظ الأخوة وتجنب الإساءة، حتى في أوقات الخلاف.
هذا الموقف يذكّرنا بسيرة النبي صلى الله عليه وسلم في صلح الحديبية، حيث قَبِلَ شروطًا بدت في ظاهرها مُجحِفة، لكنه صبر وحَلُمَ، مدركًا أن السلام أعظم من النزاع، وأن الحكمة تقتضي التأني. لقد قال النبي صلى الله عليه وسلم في فتح مكة: “اذهبوا فأنتم الطلقاء”، عافيًا عن أهل مكة الذين أذوه سنين طويلة. وهكذا، يرفض الملك محمد السادس أن يكون المغرب مصدرًا للأذى أو التهديد، بل يسعى إلى أن يكون منارةً للسلام والتعايش، متبعًا نهج النبي صلى الله عليه وسلم في العفو والصفح.
إن الحكمة، كما تجلت في سيرة النبي صلى الله عليه وسلم، هي القدرة على رؤية ما وراء الظواهر، والتعامل مع الأمور بنور البصيرة. لقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يوازن بين القوة والرحمة، وبين العدل والإحسان، فكان قائدًا يجمع بين قوة القرار وحكمة التأني. وفي هذا السياق، يتجلى نهج الملك محمد السادس في إدارة العلاقات الدولية كـانعكاس لهذه الحكمة النبوية. ففي الوقت الذي يمكن أن تكون فيه السياسة الدولية ميدانًا للصراعات والمصالح الضيقة، يختار جلالته أن يسلك طريقًا يعلو عن صغائر الخصومات، متمسكًا بـمبدأ إصلاح ذات البين، كما يأمر القرآن: (إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُم الحجرات: 10)
في تعامله مع التحديات الدولية، كتلك التي قد تظهر في العلاقات مع الجزائر أو غيرها من الدول، يظهر جلالته استعدادًا دائمًا لفتح قنوات الحوار، مؤكدًا أن المغرب لا يسعى إلى فرض شروطٍ أو إملاءات، بل إلى بناء شراكاتٍ تقوم على الاحترام المتبادل والمصالح المشتركة. هذا النهج يعكس روح النبي صلى الله عليه وسلم الذي كان يدعو إلى التقارب حتى في أصعب الظروف، كما فعل مع وفد ثقيف عندما جاؤوا للتفاوض معه، فقابل مطالبهم بحكمةٍ جعلتهم يدخلون في الإسلام طواعية.
من أبرز مظاهر الخُلق النبوي في شخصية الملك محمد السادس هو التأني والتروي في اتخاذ القرارات. لقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يتمهل في الأمور العظام، متأملًا ومستخيرًا، كما في هجرته إلى المدينة حيث خطط بحكمةٍ وصبر حتى أَمِنَ الطريق. وفي عالمٍ تسوده العجلة والردود السريعة، يختار جلالته أن يتعامل مع الأزمات بنفسٍ هادئ وروحٍ مطمئنة، مستلهمًا قول الله تعالى:( وَعِبَادُ الرَّحْمَٰنِ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الْأَرْضِ هَوْنًا وَإِذَا خَاطَبَهُمُ الْجَاهِلُونَ قَالُوا سَلَامًا. الفرقان: 63.) هذا التأني ليس انعكاسًا للتردد، بل هو دليلٌ على عمق الإيمان بأن الحكمة تتطلب الصبر، وأن النجاح في العلاقات الدولية لا يُقاس بردود الفعل السريعة، بل بالقدرة على بناء جسورٍ تدوم.
إن الخُلق النبوي الذي يميز نهج الملك محمد السادس لا يقتصر على الصبر والحكمة، بل يمتد إلى الرحمة والإنسانية. لقد كان النبي صلى الله عليه وسلم رحمةً مُهداة، يعامل الجميع برفقٍ ولين، حتى أولئك الذين خالفوه. وفي خطابات جلالته، يحرص على التأكيد على القيم الإنسانية التي تربط بين الشعوب، متجاوزًا الحدود السياسية والجغرافية. إن دعوته إلى الأخوة بين الشعوب تعكس إيمانًا عميقًا بأن الإنسانية هي أساس التعايش، وأن الرحمة هي مفتاح القلوب.
هذه الرحمة تتجلى في سياسات المغرب الخارجية التي تسعى إلى تعزيز التعاون الإقليمي والدولي، سواء من خلال دعم القضايا العادلة أو تقديم المساعدات الإنسانية. ففي أوقات الأزمات، كان المغرب، تحت قيادة الملك محمد السادس، سبّاقًا إلى مد يد العون للدول الإفريقية وغيرها، مما يعكس روح النبي صلى الله عليه وسلم الذي كان يقول: “الراحمون يرحمهم الرحمن”.
تابع آخر الأخبار من دين بريس على نبض

