7 مايو 2025 / 18:25

الخيال الراديكالي في قراءة سيد قطب للإسلام

كريم محمد. مترجم وباحث من مصر

تنطوي قراءة سيد قطب للإسلام على خيال راديكاليّ، لا يأبه للزمان أو التاريخ. يكرّس قطب «غربة» الإسلام باعتبارها هي الزمان، حيث بدأ الإسلام وحيث هو زمان قطب ومستقبله. ضمنًا، يقول قطب إنّه ما من أبعاد تاريخيّة في الإسلام. ما من فقه وتفسير وعلوم شتى. هناك وحيٌ، وعلى المؤمن «المفرغ» من كلّ زمانيّة محتملة، ولغة مشروطة تاريخيًا بطبيعتها، وسياقات محتّمة، أن يتلقى هذا الوحي دون أي وسيط تأويليّ.
لا تعقيدات في رؤية قطب للإسلام. لذلك هي قراءة تنتج قارئًا لا يمتّ لمفهوم «القراءة»، فالأشياء جاهزة. هناك عالم «كافر» على المؤمن أن يعتزله اعتزالًا يلغيه من مجرى التاريخ والسياق واللغة.
وحين يأتي قطب إلى معالجة تعقيدات الإسلام الحقيقيّة (أحداث الفتنة الكبرى، والإسلام المبكر عمومًا)، يخلص إلى أحكام شاعريّة عن شيء غامض يسمّيه بكثير من اللامنهجيّة «عدالة اجتماعيّة»، ويقرأ الإسلام المبكر وصدر الإسلام والفتنة الكبرى بقراءة مشوشة لا تنتج سوى رؤى غريبة وهزيلة متأثرة بمفاهيمه غير المُختبرَة تاريخيًّا.
يروح قطب ويجيء ليخلق قراءة انعزاليّة، ولغة انعزاليّة، وإسلامًا انعزاليًا، لا داخل فيه ولا خارج. يضرب بتاريخ حضاريّ أنتج أشكالًا شتى من الإسلام، يوسّع من مفهوم الكفر ليشمل كل شيء. ما المحصلة؟ تبصرات هنا وهناك لا معنى لها حين تضمّها إلى بعضها بعضًا. نفي للتاريخ. رؤية أبوكاليبسيّة للواقع (العالم على حافة الهاوية، على حد تعبيره)، مجتمع من مسلمين، هم كفرة ضمنيًا، والكثير من الغضب، اللاتاريخيّ.
وبسبب هذا الخيال الجامح، الراديكاليّ، لدى قطب، فإنّه يمضي إلى اختراع مفاهيم جديدة لما يسمّيه «الحاكميّة». وحين نعود إلى آيات الحُكم بما أنزل الله، لا نجد فيها ما يفرضه قطب ويفترضه، إنّه آيات تتعلق بالعدل والعدالة فيما يقع بين النبي وأصحابه والمشركين. لا مبدأ سياسي. لا حاكميّة سياسيّة تنتج كلّ هذا التأويل المتجاوز للآية ولفهم المفسرين ولفّهم الأمة التي جُعل الحقّ متوزّعًا بين طوائفها. خيال راديكاليّ تمامًا يفرضه علينا قطب وكأنّه «حقيقة» قرآنيّة.
إنّ أخطر ما فعله الوعي القطبيّ، والإسلام السياسيّ بعامّة، هو أنّه جعل الناس تسأل أسئلة نابعة من الأرضيّة الإسلامويّة التي وضعوها هم أصلًا. وبالتالي، جعلوا الإجابات تدور في فلكهم، ذهابًا وإيابًا. نحن نحتاج إلى مناقشة هذه الأرضيّة أصلًا بافتراضاتها وأسئلتها وأجوبتها.
لا تعقيدات في رؤية قطب للإسلام. إنّه، أي الإسلام، رغم كلّ محاولات قطب اللغويّة والبيانيّة، إسلام مطلق في بساطته إلى حدّ أنّه غير متعين. متأثرًا برومانسيّته الأدبيّة، يرمسن قطب الإسلام ليجعله مفصولًا عن الذات والواقع والتاريخ، في رؤية كليّانيّة مرعبة.

رابط صفحة الكاتب على فيسبوك: https://www.facebook.com/kareem.mohmmed92