تراقب العديد من البلدان مواطنيها بفضل هواتفهم الذّكية وخاصية تحديد الموقع الجغرافي. وتضع هذه الممارسات المنظّمات غير الحكومية المدافعة عن حقوق الإنسان في قفص المساءلة.
يمكن أن تساعد مراقبة المواطنين عبر هواتفهم الذكية في احتواء جائحة فيروس كورونا، ولكنها تنجم عنها كذلك تكلفة باهظة على صعيد الحريات العامّة واحترام الخصوصية، بحيث تراقب بعض الحكومات تنقّلات الأشخاص بفضل الوسائل الإلكترونية. فقد بدأت شركات التكنولوجيا في مشاركة بيانات ‘مجهولة المصدر’ لمراقبة انتشار الفيروس بشكل أفضل.
وتضع هذه الممارسات المنظمات غير الحكومية المدافعة عن حقوق الإنسان في قفص المساءلة. فقد وضّحت واحدة من هذه المنظّمات في بيان لها، ويتعلّق الأمر بـ مؤسسة الحدود الإلكترونية، بأن “الحكومات تطالب بسلطات رقابية استثنائية جديدة من أجل احتواء كوفيد-19”. وتضيف قائلة بأن هذه السلطات يمكنها أن “تغزو خصوصيتنا، وتحدّ من حرية التّعبير، وتكون لها عواقب وخيمة على الجماعات الضّعيفة”. “يجب على السلطات أن تثبت بأن مثل هذه التّدابير هي فعّالة، وعلمية وضرورية، ومتوازنة”.
تشترط هونكونغ على الأشخاص القادمين من الخارج ارتداء أساور التّعقّب، ولدى سنغافورة، فريق من المحقّقين الرقميين مكلّفين بمراقبة الأشخاص الموجودين في الحجر الصحّي. وتذهب الصين إلى أبعد من ذلك، بتخصيص رموز ملوّنة على الهواتف الذكية (الأخضر والأصفر والأحمر)، والتي تحدد للمواطن أين يذهب ولا يذهب.
كواليس المراقبة في زمن حالة الطوارئ
فوفقا لمنظّمة ‘فريدوم هاوس’ غير الحكومية، فإن بكين تستفيد هي أيضا من ذلك، من أجل تعزيز الرّقابة من خلال حجب بعض المواقع ومنع الاتصال بالإنترنت. قال رئيس هذه المنظّمة، مايكل أبراموفيتش: “نلاحظ بعض الأشياء المقلقة، تظهر بأن الأنظمة المستبدّة تتّخذ من كوفيد-19 ذريعة (…) لتقييد الحريّات الأساسية، متّجهة بذلك إلى أبعد مما تتطلّبه احتياجات الصحّة العمومية”.
ويربط بعض النّشطاء الصّلة بهجمات الحادي عشر من سبتنبر 2001 في الولايات المتّحدة، والتي فتحت الباب أمام تكثيف المراقبة باسم الأمن القومي. ونوّه داريل ويست، الذي يترأس مركز الابتكار التكنولوجي في معهد بروكينغر، بأن اللجوء إلى مثل هذه الوسائل قد يصبح قواعد يمكنها أن تستمر حتى بعد أن تخفّ حدّة الوباء.
وقال ريان كالو، الباحث في جامعة واشنطن وعضو بمركز الإنترنت ومجتمع ستانفورد، باستفاضة: “إن مشكلة المراقبة في أوقات حالة الطّوارئ تكمن في أن النّاس سيتعوّدون عليها”. وهو مع ذلك، يعترف بضرورة إيجاد حلّ وسط وصعب بين الضّروريات الصحية والشّعور بالتّعقّب المستمر.
إمكانيات لا حصر لها بفضل خاصية الموقع الجغرافي
يرتكز النّقاش بشكل أساسي حول خاصية تحديد الموقع الجغرافي عبر الهواتف الذّكية. فمنذ بداية الوباء، طوّرت العديد من التّطبيقات لرصد انتشار الفيروس. فالتطبيق المصمّم من طرف الباحثين في معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا يحدّد ما إذا كان المستخدم قد “مرّ بطريق” شخص مصاب، مثلا. مقترح من المؤكّد أنه لن يعمل إلا إذا كان هذا التطبيق مستعملا على نطاق واسع جدّا.
ويقترح بعض المهندسين من جامعة كورنيل بمشاركة موقعك الجغرافي وحالتك (ما إن كنت مصابا أم لا) لتلقّي تنبيهات حول حالات الإصابة على مقربة منك. ومع ذلك، يجب الحذر من الشعور الزّائف بالأمان. فوفقا لريان كالو، فإن البيانات التي يتم جمعها على أساس طوعي سوف لن “تخلو من الأخطاء” بلا شكّ.
كما يتيح تطبيق آخر يسمّى ‘كوفيد-واتش’ مشاركة البيانات المتعلقة بموقعك وصحّتك بفضل البلوتوث، دون المساس بخصوصيتك. وهذا ما تشرحه لنا تينا وايت، خرّيجة جامعة ستانفورد وإحدى مؤسّسي تطبيق ‘كوفيد-واتش’، “صمّمناه بطريقة تتيح للشخص المصاب بكوفيد-19، إرسال تنبيه إلى الأشخاص القريبين دون أن يتمكّنوا من تحديد هويته”.
التطبيق قيد التّطوير، وتريد تينا وايت، برفقة فريقها، تقديم بديل للإجراءات “التّعسفية” المتّخذة في بعض الدّول. ونظرا إلى أن التطبيق سوف لن يستخدم إلا إذا كان واسع الإنتشار، فإنها توضح بأنه سيتم توفير التكنولوجيا بالمجّان. كما تقترح على النظامين الأساسيين لتشغيل الهواتف الذّكية، أندرويد وآبل، “إضافته إلى الخيارات أثناء التحديثات” من أجل ضمان اعتماده من طرف أكبر عدد من المستعملين.
ترجمة ربيعة الفقيه، طالبة بمدرسة فهد العليا للتّرجمة
مقال لو فيغارو ووكالة فرانس بريس
المصدر : https://dinpresse.net/?p=7938