مصطفى الحسناوي
علق أحد السلفيين، وهو أستاذ لمادة التربية الإسلامية، وخطيب جمعة، على كتابي الجديد المعنون ب: “قصة الإسلام الانقلابي في المغرب”.
التعليق جاء عبارة عن تدوينة فيسبوكية، لاقت تفاعلا مهما، ثم سرعان ماحذفها، بعد حوالي أربع ساعات، ربما استجابة لنصيحة ما، بوجوب إماتة الباطل بعدم ذكره.
عندما قرأت التدوينة، فكرت في التفاعل مع الأستاذ السلفي، ومناقشته في اعتراضاته، وذكر اسمه، بكل تقدير واحترام.
لكن طالما أنه سارع لمسح التدوينة، فسأخفي هويته، فلربما لايريد أن يخوض هذا النقاش.
قبل البداية أريد أن أسجل أن المعترض، أثار نقطتين غريبتين جدا.
النقطة الأولى قوله أنني قبل سنتين أخطأت في قراءة آية قرآنية!!!
وأنا صراحة لا أذكر أنني أخطأت، وأستبعد ذلك جدا، فأنا يستحيل أن اخطىء في القرآن، وإذا افترضنا جدلا أنني فعلا أخطأت، فما علاقة ذلك بأي موضوع، أليس كل الناس يخطئون؟!
النقطة الثانية، ذكر أنني أخطأت في كتابة الهمزة في إحدى الكلمات، وأنه وجد كلمة فيها خطأ في الهمزة.
وهذه النقطة سأخصص لها تدوينة منفصلة، لنكشف فيها كيف أن المتدين، يفقد الموضوعية وهو ينتقد مخالفيه، بل ويكيل بمكاييل عديدة، ويفقد البوصلة، لدرجة أنه يعترض اعتراضات مضحكة.
أول ملاحظة سجلها الأستاذ السلفي، قوله طالما إنني تحولت من مدافع عن الجماعات الإسلامية إلى مهاجم لها، فإن شهادتي وأقوالي واستنتاجاتي لن تكون موضوعية.
وهذا اعتراض متهافت، إذ لايمكن محاكمة أفكار الشخص، بناء على معتقداته، فالأقوال والأفكار والخلاصات والاستنتاجات، يتم الحكم عليها وتقييمها من داخلها، وإلا سنقول نفس الشيء، في الانتقادات والاعتراضات التي يسجلها الإسلاميون على العلمانيين والمستشرقين، ومواقف المسلمين من المسيحية واليهودية، ومواقف السلفيين من الصوفية والشيعة….
طالما أن كل هؤلاء خصوم لتلك المعتقدات والأيديولوجيات والأفكار، فلاشك أن خلاصاتهم غير موضوعية، وانتقاداتهم قطعا مجانبة للصواب، بحسب القاعدة التي أصلها الأستاذ السلفي.
ثاني ملاحظة، زعم الأستاذ السلفي أن الكتاب سيرة ذاتية، تروي باختصار شديد محطات عشتها داخل الحركة الإسلامية.
هذه الملاحظة، أثارت دهشتي وعجبي واستغرابي، لأن الكتاب لاعلاقة له بالسيرة الذاتية نهائيا، ولايقترب منها ولايشبهها، ولو كان سيرة ذاتية لتحدثت فيه عن حركة التوحيد والإصلاح وقبلها الإصلاح والتجديد، وحزب العدالة والتنمية وقبله حزب الحركة الشعبية الدستورية الديمقراطية، ففي هاتين المدرستين نشأت وتربيت وترعرعت.
بالإضافة أن الكتاب يتحدث عن جماعة الشيخ الزيتوني، التي انتهت واعتقل شيخها، وأنا لم أخرج إلى الوجود بعد.
نفس الشيء يقال عن حزب الخلافة الذي أسسه المنتصر الكتاني، وتنظيم الشبيبة التي أسسها عبد الكريم مطيع، وحركة المجاهدين التي أسسها النعماني.
فعن أي سيرة ذاتية يتحدث الأستاذ السلفي، هذه أربع جماعات انتهت وأنا لم أولد بعد.
أضف إليها الخلايا التكفيرية المبكرة التي ظهرت في الناظور، والمغاربة الأفغان، والجماعة الإسلامية المغربية المقاتلة، وخلايا السلفية الجهادية، أربع توجهات أخرى، لاعلاقة لي بها.
تحدثت في فصل آخر عن الانقلابيين والجهاديين خارج حدود المغرب، كجماعات وأفراد مشهورين، فأي سيرة ذاتية هذه التي يقصد الأستاذ السلفي؟؟
من حق القارىء أن يفهم من الكتاب ما يريد، ويقرأه من الزاوية التي تعجبه، لكن ليس إلى درجة تحريفه والكذب على المؤلف، وتجاهل معلومات ومعطيات مهمة عن جماعات، لم يسبق أحد أن كتب عنها، ولايعرف عنها المتخصصون إلا أقل القليل، هذا إن لم يكونوا لم يسمعوا عنها أصلا.
الكتاب باختصار شديد، لايتحدث عن الحركة الإسلامية المغربية، بل عن جزء منها.
الجزء الذي يؤمن بإسقاط النظام أو الانقلاب عليه، وإقامة إمارة أو خلافة إسلامية، بدلا عنه.
وفكرت كثيرا ماذا سأسمي هذا الجزء من الحركة الإسلامية، وأخذ مني هذا أسابيع.
فكرت بداية في الحركة الإسلامية الجهادية في المغرب، وفكرت في استعمال عبارة: الجهادية المغربية.
لكن تراجعت لأن مصطلح الجهادية يحيل على صنف وتوجه معروف من الحركة الإسلامية، يستعمل السلاح كأداة من أدوات التغيير، ولايمكن إدخال جماعات مثل العدل والإحسان وحزب التحرير… تحت مظلة هذا الوصف، الذي سيكون ظالما في حقها.
فكرت في استعمال الحركة الإسلامية الثورية، لكن الثورة لها مقوماتها ودلالاتها، التي لاتتحقق في كل المدارس الإسلامية، بما فيها التي تؤمن بإقامة نظام حكم إسلامي.
في النهاية اهتديت لمصطلح التيار الانقلابي، ثم اطمأننت لما وجدت أبو الأعلى المودودي استعمل نفس المصطلح، وقريب منه سيد قطب وعبد السلام ياسين، وقد نقلت أقوالهم في بداية الكتاب.
إذن الكتاب يتحدث عن جماعات تريد إقامة إمارة أو خلافة إسلامية، على أنقاض الملكية والدولة الحديثة ومؤسساتها.
ولا يتحدث عن الحركة الإسلامية المغربية بإطلاق، لذلك لم أتطرق للجماعات التي تشتغل في إطار القانون، والتي تؤمن بالمنافسة السياسية على أسس الديمقراطية، ولا تلك التي لاتهتم بالسياسة، كحزب العدالة والتنمية، وحزب البديل الحضاري، وسلفية دور القرآن، وجماعة التبليغ، والطرق الصوفية…
فلا أدري لماذا ثارت ثائرة الأستاذ، واتهمني بأنني أهاجم الحركة الإسلامية، انطلاقا من سيرة ذاتية، وأنا أتحدث فقط عن تلك الجماعات التي تعلن هي عن سعيها لإقامة إمارة أو خلافة إسلامية، وتعتبر الملكية نظاما غير شرعي؟؟!!
ماهي منهجيتي في الكتاب، هل هي انطباعات شخصية، من خلال ماعشته داخل الحركة الإسلامية، كما قال الأستاذ السلفي المتسرع؟؟
الكتاب كما قلت في مقدمته، من جهة خلاصة لتجربتي الإسلامية وتجربتي الإعلامية وتجربتي السجنية، ومن جهة أخرى عرض لما كتبته هذه الجماعات في أدبياتها المنشورة، ومذكرات ورسائل قياداتها المخطوطة، والتي اطلعت على بعضها، وأيضا ماتم نشره من تقارير واعترافات على المنابر الإعلامية.
أنقل وأسرد، ونادرا جدا ما أعلق، فهي معلومات ومعطيات فقط، وليست تحليلا ولاتفكيكا ولا تعليقا على أي شيء، إلا عندما تحدثت عن تحولات خطاب السلفية وما بعد السلفية، وعندما تحدثت عن المغربيات والإرهاب، فيها جانب سوسيولوجي، وهذه الدراسة المعززة بالمصادر والإحالات والاستشهادات من طرف المختصين، والتي نشرتها لي بعض مراكز الدراسات، واحد منها مركز متخصص في الإرهاب في ألمانيا، لذلك لايمكن لأستاذ سلفي في التربية الإسلامية أن يقيمها، لأنه غير مؤهل لذلك، وحكمه عليها بأنه انطباع شخصي، لايحتاج مني لأي تعليق.
فإذن الكتاب لا هو سيرة ذاتية، ولا هو دراسة تاريخية.
هو تعريف بالجماعات، صاحبة مشاريع الإمارة والخلافة الإسلامية، وعرض لمشاريعها من أدبياتها وتصريحات ومذكرات قياداتها، واعترافات أعضائها.
ثم توجد بعض الفصول، عبارة عن دراسة وتحليل، وهذا قليل في الكتاب.
لذلك فإن هذه الاعتراضات، كباقي اعتراضات غالب السلفيين، فيها من التهويل والمزاعم، والهجوم على الشخص الشيء الكثير.
فليس المشكل هنا، أنني خصم للحركة الإسلامية، بل حتى لو كنت واحدا منها، بل من قادتها، وانتقدتها، فإن أصغر سلفي سيتعالم ويتمشيخ علي.
وقد رأينا كيف تم الهجوم على الراحل فريد الأنصاري، وهو من هو، وكيف تمت شيطنته، عندما انتقد الحركة الإسلامية المغربية، فهل كان هو أيضا خصما وعدوا وانتقائيا ويكتب الهمزة بشكل خاطىء، أم هي تشنجات وانفعالات السلفيين؟؟
باقي الملاحظات التي سجلها الأستاذ السلفي، عبارة عن تكرار، يتهمني فيه بأنني انتقائي، وإصدار الأحكام العامة، في التعامل مع التاريخ الإسلامي.
ثم علق على مطالبتي في نهاية الكتاب، بضرورة مراجعة التراث، بأنني لم أكلف نفسي تحديد المؤهلين لذلك، ثم ذكر بأنني كتبت الهمزة بشكل خاطىء، وبالتالي فلايمكنني الدعوة لمراجعة التراث.
هذه الاعتراضات والاتهامات والملاحظات الاخيرة، من جهة هي مجرد ادعاءات، لم يكلف المعترض، أن يعطينا أمثلة وأدلة عليها، ومن جهة أخرى لاعلاقة بموضوع الكتاب وعنوانه، لذلك سأخصص لها منشورا مستقلا، وأتوقف عند هذا الحد.
وختاما أحيي الاستاذ السلفي، رغم حذفه للموضوع، فبالرغم من كل هذه المغالطات، إلا أنه إلا حد كبير حاول أن يكون موضوعيا ومتوازنا في نقده، ولأول مرة أجد متدينا ينتقد مخالفه، دون الحديث عن مؤامرة ماسونية وتمويل صهيوني.. وغيرها من الاتهامات، التي تختصر عليهم عناء الحوار والنقاش، ومقارعة الحجة بالحجة.
فتحية له.
المصدر: صفحة الكاتب على فيسبوك
المصدر : https://dinpresse.net/?p=20243