نبيل بلعطار ـ دكتور في علم الاجتماع ومتخصص في سوسيولوجية الدين والسياسة
إذا كان كوفيد 19 قد أثر على العالم بأسره في مختلف المجالات الاقتصادية و الاجتماعية والسياسية و حتى بين العلاقات الجيوستراتيجية بين الدول و على مختلف الأعراف و العادات و كذلك التأثيرات النفسية سواء فيما يتعلق بالحجر الصحي أو الأزمة المادية نتيجة فقدان الشغل في بعض القطاعات الحيوية كالسياحة و الفنادق و مموني الحفلات ….
وبطبيعة الحال فالحقل الديني لم يكن منأى عن هذا التأثر و خصوصا أن الدين مرتبط بجميع المجالات بما فيها الشعائر الدينية و الأعراف والزوايا والأعياد الدينية وصلاة الجمعة والدروس الدينية والليالي الرمضانية مما سينعكس على الأمن الروحي للمغاربة وخصوصا أن المغرب بلاد يعتمد في نظامه على الحقل الديني كصمام أمان للهوية المغربية المبني على إمارة المؤمنين، والمذهب المالكي والعقيدة الأشعرية إذن ما علاقة كوفيد 19 بالحقل الديني وما هي درجة تأثيره على الشأن الديني؟
برز مصطلح الحقل الديني بصفة خاصة في النظريات السيسولوجية مع الفرنسي “بير بورديو” منذ أولى مقالاته في الستينات من القرن الماضي وانتقل الاشتغال الأكاديمي لهذا المفهوم في وصف وتحديد المجال الديني مع الكتابات الجامعية خلال الثمانينيات.
ويعرف بورديو الحقل بكونه سوق تنافسي تسود فيه علاقات القوة و الاحتكار والمقاومة والاستراتيجيات والمصالح والفرص المادية والاجتماعية والرمزية. وقد استند بورديو في تأصيله لمفهوم الحقل الديني على المساهمات المعمقة لكارل ماركس، انجلز دور كايم في تفسير الظاهرة الدينية، ويمتد هذا التعريف إلى دراسة الباحث للديانتين المسيحية واليهودية، وقد ارتبط نظرية الحقل الديني عند بورديو بشكل جعله يحدد الفاعلين داخل نسق الحقل الديني حيث خلص في دراسة الحقل الديني المسيحي واليهودي إلى وجود صراع بين الفاعلين أي بامتلاك مراكز الإنتاج الرمزي وهو بالأساس راجع إلى قوة البنية الاجتماعية.
وفي المغرب، نجد أن أغلب دراسة المهتمين بالحقل الديني المغربي محمد الطوازي، مليكة الزغل، محمد ظريف، نبيل بلعطار تنصب في إطار الابتعاد عن ماهيته والتركيز على أدوار الفاعلين والمؤسسات الرسمية والموازية، وكذلك الحركات الإسلامية من خلال دراسة حدود التناهي و التنافي بينهما ورصد الصراعات التي تؤطره. عموما يمكن تحديد تعريف تركيبي لحقل الديني بأنه إطار جامع لشبكة من الفاعلين من خلال مجموعة من العلاقات الاجتماعية التي تتداخل في ما بينها و يؤدي احتكاكها إلى حدوث نوع من التنافس.
إن الدين هو أساس نظام الحياة بل يعتبر من أهم الأنساق الاجتماعي المؤثرة في كافة الأنساق الأخرى فهو عنصر فعال وأساسي في تكامل الثقافة وتجانسها ومقوم أساسي من المقومات كافة الثقافات على اختلافها ، وضابط للسلوك والقيم والأخلاق الخاصة بالجماعة من اجل المصلحة العامة، فالملاحظ أن الحقل الديني إذا كان يؤثر في جميع المجالات وانه يتأثر ببعض السلوكيات وخصوصا في هذه الظرفية الصعبة المتعلقة بجائحة كوفيد 19 الذي جعل الحقل الديني في تغير سواء باتخاذ مجموعة من الإجراءات للحفاظ على صحة المواطنين في إطار الأمن الصحي.
إذا كانت الدولة اتخذت مجموعة من القوانين من بينها تفعيل الحجر الصحي وتمديدها بطريقة تخفيف ومنع التجمعات وفرض وضع الكمامات وتطبيق إجراء الحفاظ على مسافة الأمان، بالإضافة إلى إجراءات إستباقية صحية واقتصادية واجتماعية التي من شأنها التخفيف على الوضعية والقدرة الشرائية للمواطنين .
وإذا كانت السلامة الصحية والاقتصادية والاجتماعية تهم الدولة وتحافظ على تتبع سيرها فالجانب الديني كذلك من بين الأولويات التي تعمل الدولة الوقوف عن كتب لماله من تأثير على جميع المجالات الأخرى لهذا، استحضرت في بداية هذه الورقة الموجزة ماهية الحقل الديني و أهميته، إذا ما هي الإجراءات التي اتخذتها الدولة لخلق نوع من الأمن الروحي للمغاربة والحفاظ على الحياة من جميع المهالك مقدم شرعا على ما عداه من الأعمال بما فيها الاجتماع للعبادات أو النوافل أو الكراسي العلمية ؟
فإن الله سبحانه وتعالى أنعم على عباده نعمة الإسلام والهداية وعلى عباده ملكة الصحة وسلامة كافة الجسد من الأمراض الفتاكة لأن الصحة مرتبطة بالعبادات والطاعات وحث على تقدير نعمة الصحة بالمحافظة عليها بالرياضة البدنية واستعمالها في الخير ونشر الطاعات و مساعدة الآخرين ، والصحة تشمل الوقاية من الأوبئة و الفيروسات عن طريق النظافة والغسل والتطيب والرياضة….
لهذا، فالدولة أهمت اهتمامها بتعميم الإجراءات الوقائية الإستباقية في إطار الأمن الصحي للمصلين والمرتفقين والشغوفين للكراسي العلمية والمهتمين بالحضور لدروس محو الأمية بمجموعة من الإجراءات و التدابير الاحترازية أبرزها:
1 ـ منع التجمعات الدينية في المساجد بما فيها الصلوات الخمس و صلاة الجمعة حماية لصحة المصلين و المرتفقين للمساجد بموجب فتوى للمجلس العلمي الأعلى يوم 16 مارس 2020.
2 ـ توقيف الكراسي العلمية بالمساجد والزوايا والأضرحة ودروس محو الأمية .
3 ـ تعليق أداء العمرة و توقيف إجراء عقود الحج.
4 ـ إلrاء فعاليات الدروس الحسنية في شهر رمضان وإحياء جلالة الملك ليلة القدر وصلاة عيد الفطر وصلاة العيد نيابة عن الأمة باعتباره أمير المؤمنين حفاظا على صحة المواطنين.
5 ـ الاحتراز من وباء كرونا أدى إلى عدم السماح بإقامة صلاة العيد بالمصليات و المساجد و جواز إقامتها في البيوت.
6 ـ فإذا كان المجال الاقتصادي تأثر سلبا بسبب هذه الجائحة من إجراء إغلاق المحلات التجارية أثناء الحجر الصحي ، لهذا قرر جلالة الملك على صعيد الحقل الديني توظيف لقب سلطاني عريق أي الناظر الأعلى لتكييف التدخل الملكي في مجال الأوقاف الحبسية فصدرت تعليمات ملكية سامية يتجلى في إعفاء مكتري المحلات الحبسية المخصصة للتجارة والخصمات والسكنى ماعدا الموظفين من أداء الواجبات الكرائية طيلة مدة الحجر الصحي.
7 ـ عودة المساجد للعبادات ابتداء من 13 يوليوز 2020 ولكن بتدابير احترازية وفق برتوكول صحي وتنظيمي وفق مجموعة من الشروط و الإجراءات لضمان صحة المصلين لتوفير الأجواء الروحانية و الصحية داخل المساجد .
8 ـ توقيف صلاة الجمعة وفتحها فيما بعد ولكن بإجراءات احترازية ومنع الكراسي العلمية و الندوات الدينية داخل المساجد.
9 ـ الاعتماد على الدروس عن بعد فيما يتعلق بالمشروع التربوي الخاص ببرنامج المحو الأمية بالمساجد بواسطة التلفاز او الانترنيت.
10 ـ إصدار المجلس العلمي الأعلى أربع فتاوي في زمن كورونا كاجتهاد فقهي استباقي.
من خلال هذه الورقة التقيمية والموجزة التي أظهرت أن كوفيد 19 أصبح موضوع العلماء و الأطباء ورجال القانون و أساتذة علم الاجتماع و الأخصائيين النفسانيين وفقهاء الدين والشريعة، إذن فالحقل الديني تأثر كثيرا من هذه الجائحة و بالتالي أضرت بالأمن الروحي للمواطنين باعتبار أن المساجد في المغرب فضاء للعبادات و العلم و محاربة الأمية وتقويم السلوك قد ساهم هذا الفيروس في تأثر الطقوس الدينية من غياب الأجواء الروحانية الرمضانية في غياب صلاة التراويح و صلة الرحم و الأعياد بالمصلى وصلاة الجمعة ، وأوقف الصلة الروحانية بين الأمة العربية والمتمثلة في توقيف العمرة والحج لأول مرة في تاريخ الأمة الإسلامية.
إذن هناك علاقة مؤثرة مست الأمن الروحي للمواطنين قوبلت بتدابير احترازية و مؤقتة من شأنها أن تساعد في جعل الحقل الديني يكتسب قوة دفاعية أساسها الفصل 41 من الدستور الذي يعمل على حفظ الثوابت وضبط الشأن الديني الصرف مصلحة للمؤمنين و المؤمنات و المسلمين والمسلمات.
ـــــــــــــــــــــــــ
لائحة المراجعة :
ـ Pierre bourdieu : genèse et structure du champ religieux revue française de sociologie n 12/1971.
ـ محمد ظريف : الدين و السياسة في المغرب من سؤال العلاقة إلى سؤال الاستتباع ” منشورات المجلة المغربية لعلم الاجتماع السياسي مطبعة النجاح الجديدة البيضاء الطبعة الأولى 2009.
ـ حوار السيد احمد التوفيق مع إذاعة البحر الأبيض المتوسط ميدي 1 حول الإجراءات الاحترازية لمواجهة جائحة كرونا كوفيد 19 بتاريخ 21/09/2020.
ـ دليل خاص ببرتوكول إعادة فتح المساجد .
المصدر : https://dinpresse.net/?p=14552