محمد علي لعموري
لا أحد يتوقع ما ستسفر عنه الأيام القادمة من مستجدات بشأن انتشار فيروس كوفيد 19 الشهير بكورونا في بلدنا الحبيب ، لكن المؤكد ؛ حتما من خلال ما يعرفه العالم من ارتباك تفشي الفيروس بسرعة مهولة على الصعيد العالمي ، وتضرر دول كبرى مثل إيطاليا وفرنسا وإسبانيا منه ؛ أن هذا الوباء خطير ويندر بجائحة عالمية لا قبل للبشرية بها منذ أمد بعيد.
قرارات السلطة التنفيذية في شخص وزارة الداخلية ببدء فترة الحظر الصحي بالمغرب بعد تسجيل بعض الحالات متنقلة بين مغاربة من داخل الوطن ، واقتراب دخول المغرب إلى المرحلة الثانية من انتشار الوباء ومن التدابير الإحترازية الوقائية ، يضع الدولة والمواطنين أمام مسؤولية حصر هذا الوباء بفرض حجر صحي على الذات من طرف المواطن المغربي ، وحرص السلطات العمومية على القيام بواجبها في تطبيق هذا القرار الصائب مع توفير الحد الأدنى من الحياة الآمنة والكريمة لكافة المغاربة ومنهم الفئات الهشة ، وضمان دورة الإقتصاد في مستواها الطبيعي دون ارتباك يشل الحياة العامة داخل المدن والقرى.
طبعا كل فرد مسؤول وواع وذي عقل راجح سوف يلزم مسكنه محترما قواعد سريان مفعول قرار الحظر الصحي ، وسيتكيف مع الوقت مع هذه الحياة الجديدة، ومع هذا المعطى المخيف الذي سوف يغير وجه البشرية في فترة ما بعد تراجع هذه الجائحة.
اليوم نحن أمام معطى جديد بتمثل جماهيري متعدد الرؤى لواقع مواجهة هذا الوباء المستجد الذي خرج متمردا على العلم ، وانتشر بسرعة مهولة ، وهو اليوم يهدد البشرية في الأرواح والحرية والراحة النفسية ، بعد زرع الخوف في النفوس ، وكرس مفهوم الشك في معناه الإعتباطي ، ووضع العقل البشري في مأزق فهم العالم من منظور جديد.
إن البشرية في عمق فلسفة الإنسان العولمي قد أثبت لدى قادتها من علماء وخبراء وساسة وصناع القرار ، أنها مفلسة أخلاقيا ، وأن المنطق البراغماتي قد تغلب على المنطق الإنسي في زمن سيادة العولمة.
فهذه الحروب وهذه التأثيرات الإعلامية من تسطيح للوعي أو توجيهه باتجاه استهلاك روح العولمة ، جعل العقل العلمي يتواطأ مع العقل السياسي والعقل الإستخباراتي والعقل العسكري على تدمير قيمة الحياة من حيث يريدون الحفاظ على هذه الحياة.
الخوف من الهجوم والتهديد ، ومنطق المنافسة الإقتصادية بين القوى المتحكمة في السوق العالمي ، وتسابق تلك القوى باتجاه إنتاج السلاح المتطور القادر على التخويف والردع والتركيع ، جعل الإنسان المنتج لتلك الأشياء المكتنزة لأسباب الفناء ، يفلس أخلاقيا وينحو باتجاه تدمير نفسه بنفسه…
ها هو فيروس كورونا الذي تسرب من مختبرات التجريب ، أو ربما تم تسريبه بقصد وغرض معين ، يخرج عن السيطرة ويضع الإنسان في مأزق التخلص البحث عن الخلاص العالمي.
جائحة كورونا ، وبعيدا عن نظرية المؤامرة التي يمكن أن يكون لها موطىء قدم ضمن تأويلات الفكر البشري هنا وهناك ، هو الوجه المخيف لعالم ما بعد الإنسان ، عالم خروج كل ما ينتجه البشر ضد البشر عن السيطرة ، ليصبح المنتوج خطرا كونيا على البشرية جمعاء.
من يتأمل حياة الناس بعد انتشار فيروس كوفيد 19 ، سيكتشف نفس غريزة البقاء لدى الإنسان تتجلى بوجه كاشف لا مراء فيه ولا نفاق ، صديق لا يصافح صديقه خوفا من العدوى ، جار يبعد عن جاره لمترين اتقاء خطر الإصابة بالفيروس ، في الأماكن العمومية تلمس هروب الناس من بعضهم البعض عملا بقاعدة ” أنا السليم وكل من حولي مصاب ” ، ولكم أن تتخيلوا نفسية الفرد وسط هذا الوضع الجديد الباعث على الحزن !
كورونا اليوم تصنع عالما جديدا لن يعود لعهد ما قبلها ، ستعرف البشرية نقلة باتجاه عصر ما بعد العولمة بشقيها الإقتصادي والثقافي.
ثقافة الخوف اليوم ستبنى عليها مفاهيم جديدة عن الحياة والموت والعالم والعلاقات الإنسانية والعلاقات الدولية والتحالفات القادمة والمفهوم الجديد للحرب والسلم والحب والسلام.
Source : https://dinpresse.net/?p=7445