إيمان شفيق
عرفت الحركة النسوية في المغرب، منذ مطلع تسعينيات القرن الماضي، تحولات جوهرية نتيجة الانفتاح على الخطاب الحقوقي الكوني والدعم المتزايد من المؤسسات الدولية، لا سيما من الولايات المتحدة الأمريكية ودول الاتحاد الأوروبي. وقد شكل مؤتمر بكين العالمي الرابع حول المرأة سنة 1995 نقطة تحول مفصلية، حيث سارعت العديد من الجهات المانحة إلى تخصيص تمويلات سخية لدعم الجمعيات النسائية المغربية وتعزيز قدراتها التنظيمية والترافعية، بهدف تمكين النساء من الناحية القانونية والاجتماعية والاقتصادية.
لقد أثمر هذا الدعم نتائج ملموسة، كان أبرزها إصلاح مدونة الأسرة سنة 2004، والتي اعتُبرت آنذاك ثورة تشريعية لصالح حقوق النساء، من خلال مراجعة بنود تتعلق بالولاية، والطلاق، والحضانة، وتعدد الزوجات، وغيرها. إلا أن هذه الإنجازات، على أهميتها، لم تستند إلى قاعدة اجتماعية واسعة، إذ ظلت الحركة النسوية حبيسة نخب حضرية محدودة، ومرتبطة إلى حدّ كبير بتمويلات خارجية، ما جعل استقلاليتها وتماسكها عرضة للتأثر بالعوامل الدولية.
ومع بداية العقد الثاني من القرن الحادي والعشرين، بدأت وتيرة الدعم الأجنبي في التراجع بشكل ملحوظ، بفعل تحولات جيوسياسية كبرى، وتنامي النزعة السيادية في تدبير التمويلات الأجنبية، إضافة إلى تصاعد الرقابة على أنشطة المجتمع المدني من طرف بعض المؤسسات الرسمية. وقد انعكس هذا التراجع على أداء الحركة النسوية، حيث تقلصت أنشطتها الميدانية، وتراجع حضورها في الفضاء العام، وتشتّتت جهودها التنظيمية والتأطيرية.
يضاف إلى ذلك غياب حليف سياسي فعّال، خصوصا بعد تراجع قوى اليسار التقليدي التي كانت سندا تاريخيا للحركات الحقوقية والنسوية، مما زاد من هشاشة الحركة، وتركها مكشوفة أمام تصاعد المد المحافظ والخطابات المناهضة للمساواة بين الجنسين، التي باتت تجد صدى واسعا داخل المجتمع، بفعل عوامل ثقافية ودينية معقدة.
وفي ظل هذا السياق المتأزم، تجد الحركة النسوية المغربية نفسها اليوم أمام مفترق طرق حاسم: فهي مطالبة بإعادة النظر في استراتيجياتها، والقطع مع الارتهان للمشروطيات الدولية، وإعادة بناء ذاتها على أسس محلية تنطلق من خصوصيات المجتمع المغربي وتستند إلى التحولات الاجتماعية والاقتصادية الوطنية الفعلية. كما يتعين عليها أن تعزز من تواجدها في المجالات الهامشية، وتستثمر في تكوين جيل جديد من المناضلات القادرات على ربط الخطاب النسوي بالقضايا المعيشية اليومية للنساء في القرى والأحياء الشعبية.
لقد أثبت الواقع أن توقف الدعم الدولي لم يكن مجرد أزمة مالية للحركة النسوية، بل كان اختبارا لعمقها المجتمعي وصلابة بنيتها التنظيمية. وهو ما يستدعي منها، في هذه المرحلة، تجاوز منطق الارتباط بالمشاريع الممولة ظرفيا، والانتقال إلى دينامية نسوية مستقلة، مترسخة، وتجد شرعيتها في الواقع المحلي قبل أي مرجعية خارجية.