الحركات النسوية والتعامل مع القيم التقليدية

دينبريس
2024-12-27T19:59:42+01:00
آراء ومواقف
دينبريس27 ديسمبر 2024آخر تحديث : الجمعة 27 ديسمبر 2024 - 7:59 مساءً
الحركات النسوية والتعامل مع القيم التقليدية

ابراهيم المهالي ربيع قرطبة
شهدت الحركات النسوية تحولات كبيرة على مر العقود، حيث بدأت كمطالبات مشروعة للمساواة بين الجنسين، لكنها مع الوقت تطورت في بعض اتجاهاتها إلى ما يُعرف بالنسوية الراديكالية، التي تجاوزت مفهوم المساواة إلى مهاجمة القيم التقليدية، وخصوصًا الرجولة.

هذا التيار يسعى لتفكيك ما يُعرف بالنظام الأبوي من خلال إعادة صياغة العلاقات الاجتماعية والقوانين، مما أفرز نتائج سلبية عديدة على الرجل والمجتمع ككل.

النسوية الراديكالية ترى الرجولة في صورتها التقليدية متجذرة في الهيمنة والقمع. تُروج لفكرة أن ما يُعرف بالرجولة السامة هو السبب الأساسي للعديد من المشكلات الاجتماعية، مثل العنف والتمييز.

وبدلًا من التركيز على معالجة السلوكيات الضارة، تقوم هذه الأيديولوجيا بتعميم السلبية على كل ما يرتبط بالرجولة، مما يؤدي إلى تعزيز شعور الخجل والذنب لدى الرجال حيال أدوارهم الطبيعية، كالقادة أو الحماة أو المعيلين.

أحد الجوانب الخطرة للنسوية الراديكالية هو تأثيرها على التشريعات والقوانين. تعمل هذه الحركات على الدفع نحو تغييرات قانونية تُفضل المرأة بشكل مفرط، مثل قوانين الحضانة والنفقة التي تُعطي الأم الأولوية المطلقة في تربية الأطفال بعد الطلاق. يُفرض على الرجال، في كثير من الأحيان، تحمل أعباء مالية ضخمة دون النظر في ظروفهم أو مساهمتهم في انهيار العلاقة الزوجية. كذلك، تُستخدم قوانين التحرش والعنف الأسري أحيانًا بطريقة مُفرطة، حيث قد يُتهم الرجل دون أدلة كافية، مما يضعه في موقف دفاعي مستمر، ويهدد شعوره بالأمان الاجتماعي والقانوني.

لم يتوقف تأثير النسوية الراديكالية على التشريعات فقط، بل امتد إلى الثقافة والإعلام. كثير من الأفلام والمسلسلات تُظهر الرجال كمعتدين أو شخصيات غير مسؤولة، في حين تُقدم المرأة دائمًا في صورة الضحية أو الشخصية القوية المستقلة. هذا التصوير يعزز الصور النمطية السلبية عن الرجولة ويُضعف الثقة المتبادلة بين الجنسين. كما أن الترويج المستمر لفكرة أن النساء دائمًا ما يُقمعن وأن الرجال دائمًا ما يهيمنون يؤدي إلى خلق صراع بين الجنسين بدلًا من تعزيز التفاهم والتعاون.

إحدى الأفكار المحورية في النسوية الراديكالية هي تفكيك الأسرة التقليدية. تُعتبر الأسرة في نظر هذا التيار أداة لنقل القيم الذكورية، ولذلك تُشجع هذه الحركات على الاستقلالية المفرطة للنساء وتقليل أهمية الزواج كعلاقة شراكة مستدامة. أدى هذا إلى ارتفاع معدلات الطلاق وتراجع أهمية الأدوار المشتركة بين الرجل والمرأة، مما يُضعف بنية المجتمع ويُعرض الأجيال القادمة لغياب التوازن الأسري.

الرجال، نتيجة لهذه التحولات، يواجهون أزمة هوية حقيقية. الأدوار التي كانت تمنحهم شعورًا بالإنجاز والمسؤولية أصبحت تُعتبر غير ضرورية أو حتى مرفوضة. يؤدي هذا إلى شعور بالتهميش وفقدان الدور، مما يُساهم في ارتفاع معدلات الاكتئاب والانتحار بين الرجال. كما أن الخوف من التفاعل الاجتماعي مع النساء بسبب قوانين التحرش والعنف الأسري يجعل الرجال أكثر ترددًا في بناء علاقات صحية أو حتى التحدث بحرية.

علاوة على ذلك، فإن النسوية الراديكالية تُشجع على دعم العلاقات غير التقليدية كبديل للأسرة التقليدية، مما يضعف مفهوم الأسرة كنواة للمجتمع. تشجيع أنماط حياة تخالف القيم التقليدية يُعتبر جزءًا من الأجندة التي تسعى إلى تفكيك النظام الاجتماعي الذي تراه هذه الحركات قمعيًا.

لمواجهة هذه التحديات، يجب إعادة النظر في الخطاب العام حول الرجولة والأنوثة. لا يمكن تحقيق التوازن إلا من خلال تعزيز قيم التعاون والتفاهم بين الجنسين بدلًا من تأجيج الصراعات. يتطلب الأمر أيضًا مراجعة التشريعات لضمان العدالة المتوازنة بين الرجال والنساء، دون تحيز لطرف على حساب الآخر. يجب أن تلعب وسائل الإعلام دورًا إيجابيًا في تقديم صور متوازنة للرجال والنساء بعيدًا عن القوالب النمطية السلبية.

إن تعزيز القيم الأسرية، وإعادة التأكيد على أهمية دور الرجل والمرأة معًا في بناء المجتمع، يمثل حلًا ضروريًا للحفاظ على توازن العلاقات الاجتماعية. الأسرة ليست مجرد بناء تقليدي، بل هي الركيزة الأساسية التي توفر الاستقرار للأفراد والمجتمعات. تحقيق هذا التوازن يحتاج إلى جهود مشتركة من الحكومات، المؤسسات الثقافية، والمجتمعات المحلية لإعادة صياغة المفاهيم بما يخدم الجميع دون إقصاء أو تحامل.
ــــــــــــــــ
المصدر: صفحة الكاتب على فيسبوك:

رابط مختصر

اترك تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *


شروط التعليق :

عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.