18 مارس 2025 / 13:04

الحركات المسلحة في منطقة الساحل والصحراء: تحديات الدراسة والتصنيف

عبد الفتاح الحيداوي
تعد منطقة الساحل والصحراء واحدة من أكثر المناطق اضطرابًا في العالم من حيث انتشار الحركات المسلحة، التي تتنوع في أهدافها وخلفياتها الجغرافية والسياسية والدينية. هذه الحركات يمكن تصنيفها وفقًا لانتمائها الجيوسياسي أو منطلقاتها الفكرية، مما يجعل دراستها وتحليلها مهمة معقدة وصعبة، خاصة في ظل غياب إنتاجات فكرية أو بيانات واضحة من قبل العديد من هذه الجماعات.

تصنيف الحركات المسلحة في الساحل والصحراء
الحركات المحلية الخالصة:
تتمثل هذه الحركات في الجماعات التي تنشط ضمن إطار محدد جغرافيًا وثقافيًا، مثل حركات الطوارق في شمال شرق مالي وشمال النيجر. هذه الجماعات غالبًا ما تكون ذات أهداف محلية، مثل المطالبة بالحكم الذاتي أو تحسين أوضاع المجتمعات التي تنتمي إليها.

وهي لا تتبنى بالضرورة أيديولوجيات إسلامية متطرفة، بل تركز على قضايا ذات طابع اجتماعي وسياسي محلي.

الجماعات ذات المنطلقات الدينية:
من أبرز الأمثلة على هذه الجماعات “جماعة أهل السنة للدعوة والجهاد”، التي يُطلق عليها الإعلام اسم “بوكو حرام”، وهي تسمية ترفضها الجماعة نفسها. هذه الجماعة تنشط بشكل رئيسي في نيجيريا ومنطقة بحيرة تشاد، وتهدف إلى تطبيق الشريعة الإسلامية وفق تفسيرها الخاص.

وتعتمد هذه الجماعات على أيديولوجيات دينية متشددة، وتستخدم العنف كوسيلة لتحقيق أهدافها.

الجماعات العابرة للحدود:
هناك أيضًا جماعات اختارت منطقة الساحل والصحراء كمسرح لعملياتها بسبب اتساع المنطقة وغياب السيطرة الأمنية الفعالة، مما يوفر لها مساحة أكبر للمناورة والتحرك.

ومن بين هذه الجماعات “تنظيم القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي” و”تنظيم الدولة الإسلامية”، اللذان ينشطان في عدة دول في المنطقة.

هذه الجماعات تتبنى أيديولوجيات جهادية عالمية، وتنفذ هجمات تستهدف الحكومات المحلية والقوات الدولية العاملة في المنطقة.

الحركات ذات الطابع الإفريقي المحلي:
هناك أيضًا حركات مثل “حركة أنصار الدين”، التي تأسست في مالي، وتركز على قضايا محلية إفريقية دون الانخراط في قضايا خارجية.

وهذه الحركات يمكن وصفها بأنها “إفريقية بحتة”، حيث لا تشارك في الصراعات خارج حدود المنطقة، بل تركز على تحقيق أهداف داخلية مرتبطة بالسيطرة على الأرض أو الموارد.

صعوبة دراسة الحركات المسلحة في الساحل
دراسة الحركات المسلحة في منطقة الساحل والصحراء تواجه عدة تحديات، أهمها:

غياب الإنتاجات الفكرية:
على عكس التنظيمات الجهادية الكبرى مثل تنظيم القاعدة أو داعش، التي تنتج كميات كبيرة من البيانات والكتب والخطابات التي توضح أيديولوجيتها وأهدافها، فإن العديد من الحركات المسلحة في الساحل لا تنتج مثل هذه المواد.

وهذا الغياب يجعل من الصعب فهم دوافعها وأهدافها بشكل دقيق، ويعتمد الباحثون في الغالب على تحليل أنشطتها العسكرية والهجمات التي تنفذها.

التركيز على القتال بدلًا من الأيديولوجيا:
تركز  العديد من هذه الجماعات هي في الأساس جماعات قتالية، على العمليات العسكرية أكثر من الانخراط في بناء أيديولوجية واضحة أو المشاركة في قضايا خارج حدود المنطقة.

وهذا يجعلها مختلفة عن الجماعات الجهادية العالمية التي تسعى إلى توسيع نفوذها خارج حدودها الجغرافية.

الطابع المحلي والإفريقي:
يمكن القول إن العديد من هذه الحركات هي حركات إفريقية بامتياز، تركز على قضايا محلية ولا تشارك في الصراعات الخارجية. هذا الطابع المحلي يجعلها أقل اهتمامًا بإنتاج خطاب أيديولوجي موجه للجمهور العالمي، وبالتالي يصعب تصنيفها أو فهمها ضمن الإطار الجهادي العالمي.

الخلاصة
إن دراسة الحركات المسلحة في منطقة الساحل والصحراء تظل مهمة شاقة بسبب طبيعة هذه الجماعات التي تتراوح بين المحلية والخالصة للقضايا الإفريقية، وتلك التي تتبنى أيديولوجيات جهادية عالمية.

وغياب الإنتاجات الفكرية والبيانات الواضحة من قبل العديد من هذه الجماعات يجعل من الصعب تحليل دوافعها وأهدافها بدقة.

ومع ذلك، يمكن القول إن هذه الحركات تمثل ظاهرة إفريقية بامتياز، تركز على قضايا داخلية أكثر من الانخراط في الصراعات العالمية، مما يجعلها مختلفة عن التنظيمات الجهادية الكبرى المعروفة.