الحرب الداخلية ونمو تنظيم داعش بالسودان
ماهر فرغلي. كاتب مصري
أنشأ داعش خمسة فروع في إفريقيا، وهي إمارة الساحل الأفريقي، وولاية غرب أفريقيا ووسط أفريقيا وموزمبيق ثم الصومال، واقترب القاعدة من إعلان دولتين في الصومال ثم مالي، لكن الأخطر هو أن الحرب ونتائجها بالسودان تؤدي إلى فرصة في الانتقال والقيام بالتسكين للعناصر الخطرة، وتفاقم نشاط التنظيم الإرهابي بالمنطقة، وتضخيم تنظيم (أنصارو) بالمنطقة.
والحقيقة أن داعش له تواجد قديم ومتجدد بالسودان ففي عام 2023 قام سبعة من أعضاء خلية السلمة يتزعمهم أسامة أحمد عبد السلام ومعه وحيد عز الدين وآخرين بلغ عددهم 70 بتشكيل ما عرف حينها بخلية الدندر وقاموا بمهاجمة نقطة للشرطة بمنطقة الدندر بولاية سنار وقتلوا أحد أفراد الشرطة واستولوا على سلاح وأزياء عسكرية وأقاموا معسكراً للتدريب حتى تم القبض عليهم واتضح أيضا أن المنضمين الجدد من أبناء قيادات الحركة الإسلامية، ووجهت لهم الكتير من المواد الجنائية من قتل عمد ونهب واستخدام الزى العسكرى وغيرها من مواد عقوبتها الإعدام فتحرك الإخوان، وتم تشكيل لجنة المراجعات الفكرية برئاسة عصام أحمد البشير وسليمان عثمان، وعبد الحي يوسف، وخالد عبد اللطيف، والشيخ عبد الجليل الكاروري، والشيخ حسن رزق، وآخرين، حيث أوصوا بضرورة إطلاق سراح المتهمين، لأنهم حسب رأيها قد رجعوا الى طريق الوسطية وتركوا طريق التعصب والتشدد الذى يؤدى إلى التكفير والتفجير.
كانت الخلية السابقة نواة لتواجد داعش بالسودان فيما بعد، فتنظيم القاعدة في السودان، لم يعد له وجود فعلي، غير التواجد الرمزي لأبي خبيب السوداني، الذي يظهر إعلاميا كرمز للتنظيم المركزي، على اعتبار أنه كان رفيقا لابن لادن، ثم بعض الرسائل التي نشرها، وتحديداً أكتوبر 2022 حين أصدر رسالة (الآن جاء القتال… رسائل إلى المجاهدين بالسودان)، مطالبا فيها الشباب السوداني بالحاجة لعقلية استراتيجية ذكيّة، والعمل على صياغة استراتيجية للصراع، ودراسة واقع (المجاهدين) وقدراتهم وإمكاناتهم العسكرية والسياسية.
أما القيادي الآخر “أبو حذيفة السوداني” فقد نشر رسالة عن مذكراته في السجن عقب الإفراج عنه، وفعليا ظهر داعش عام 2021 حين تم الوصول لخلية كبيرة بعض عناصرها من مصر، وسبق ذلك إعلان الأجهزة الأمنية، في 7 فبراير من العام نفسه، عن الكشف عن إحدى الخلايا النائمة التابعة للتنظيم في منطقة “صوامع الغلال” بولاية القضارف الواقعة شرقي البلاد، وذلك بعد أن رصدت قيام عدد من العناصر النشطة على موقع التواصل الاجتماعي “فيسبوك” بنشر مقاطع فيديو يرفعون فيه علم داعش ويعلنون عزمهم إنشاء إمارة جديدة تحت إمرة وولاية زعيم واحد لكل دول العالم، وهو المسار نفسه الذي سعى التنظيم عبر رسالة نشرها بالعدد 479 بصحيفة “النبأ” إلى تكراره.
وقد تم تسليم بعض عناصر داعش للقاهرة، وحاول نفس التنظيم قتل رئيس الوزراء عبد الله حمدوك، كما أبدى اهتماما متزايدا بالسودان عقب سقوط نظام البشير، حيث أشار أبو بكر البغدادي، أمير التنظيم حينها، في أبريل 2019 إلى السودان باعتباره ساحة معركة مستقبلية، وتحدثت تقارير أخرى عن نية التنظيم لإقامة ما أسماه “إمارة الحبشة”، التي تضم السودان ودول شرق أفريقيا.
أصدر فريق العقوبات والرصد التابع للأمم المتحدة تقريرا في يوليو 2023، أشار فيه إلى أن شبكة داعش في السودان تضم ما بين 100 و200 شخص ويرأسها جهادي عراقي مخضرم، وهو “أبو بكر العراقي”، وهي شبكة قاعدة لوجستية ومالية، يتم من خلالها العبور والاستثمار، مؤكدا أن العراقي يدير مجموعة من الشركات في إفريقيا.
وتساهم الحرب الداخلية السودانية في عمل سيولة تساعد الجماعات الإرهابية (داعش – القاعدة) في النمو داخل دولة السودان، بعد أن كان كلا من التنظيمين لا يمتلكان قوة ذات أهمية بالمقارنة مع الدول الأخرى، واتخاذهما الدولة الإفريقية في جعلها محطة انتقال لـ (ساحة الخارطة السوداء)، وهي قارة إفريقيا، وفق التعبير الذي أطلقه زعيم تنظيم داعش (أبو حفص الهاشمي).
قال أبو حفص “إن السودان توفّرت فيه الشروط الموضوعية لقيام حرب عصابات ناجحة، إضافة إلى أنّه بلد شاسع مترامي الأطراف متنوع التضاريس والمناخات من جبال وغابات وصحار، مما يتيح مجالاً واسعاً للحركة والمناورة، وطرح ثلاث طرق عملية لكيفية إدارة حرب العصابات باعتبارها مهاداً لمراحل متقدمة على النحو التالي: مرحلة الوخز (اضرب واهرب)، مرحلة التوازن، مرحلة الحسم والتمكين.
وعاد التنظيم عبر صحيفة “النبأ”، في 23 يناير 2025، إلى الحديث عن السودان، تحت عنوان “السودان المنسي”، والتي دعا فيها عناصره في دول الجوار السوداني إلى إعادة الارتكاز والتموضع وتفعيل نشاط التنظيم والتواجد في الداخل السوداني.
مما ينبغي االإشارة إليه أن نقاط الإرهاب الواضحة في منطقة شرق إفريقيا تبدو كالتالي: تصاعد لنشاط حركة شباب الإسلام بالصومال، وتمددها لكينيا ومحاولات قليلة إلى أثيوبيا، وفي المقابل محاولات لداعش في التواجد بالصومال وكينيا، وتمدد لداعش ببحيرة تشاد، ونشاط كبير وإمارة في دولة مالي، وتقع السودان وجنوبها في المنتصف، من هنا يحاول داعش تعزيز نفوذه في كل من الصومال واليمن وجيبوتي وكينيا، ومن هنا تظهر أهمية السودان في تلك العملية في نقل التمويل والأسلحة والدعم اللوجستي.
يحاول داعش الاقتراب من المناجم والبحار، ويتنافس مع القاعدة في إفريقيا على ذلك، وفي إطار استراتيجية القتال عبر البحار والممرات الملاحية، تبدو أهمية السودان في قطع طرق الملاحة وخطوط المواصلات العالمية، وبشكل خاص ناقلات النفط، لذا فإنه يسعى إلى تعزيز نشاطه في الداخل السوداني بهدف الاقتراب من البحر الأحمر.
التعليقات