محمد أكعبور ـ باحث في الخطاب والإعلام الديني
تقديم:
الحمد له الذي جعل لهذه الأمة من وهب نفسه لجمع الحديث، مستمسكا بمنهج رواته عن النبي صلى الله عليه وسلم للحديث، لما يقوم به من الدين الذي أتى به النبي الأمين مبلغا إياه ،كاشفا به الغمة ناصحا به الأمة محررا به العبد والأمَة.
وهم الذين يصدق عليهم قول الشاعر:
لهم همم بها في الفضل تروى **عواليه الثقاة عن الثقاة
وإن هذا الاهتمام بالحديث النبوي الشريف لا يوازيه ولا يفوته في الفضل والدرجة إلا القرآن الكريم بعد التوجيه النبوي السديد ،وإلا فقد حرص المسلمون بداية تدوينه كما دونوا القرآن الكريم الأصل الأول للدين المتين ومصدر الإسلام المكين .
ولحفظ الدين والذكر يسر الله لحديث رسول الله صلى الله عليه وسلم من أسباب الذيوع والانتشار ووسائل التمكين والتحقيق والتبليغ والتفهيم ما تبّث به الأديان في الأبدان وما تكتمل به قيم الإسلام وخلق الإيمان.
فقد جعل الله فتحا في الصدور، حفظا لوحي الرسول صلى الله عليه وسلم وإلهاما في العقول لتحقيق المأمول ووفق من وفق لحفظه ثانية في السطور خوفا عليه من البثور على مر العصور، فكان بحق بهذا الإنجاز أن عم به الحبور والسرور فكفانا هؤلاء الخلق كثير الشرور فجزى الله عنا أهل النضور الذين تباروا في النضارة لتحصيل النظارة عملا بصاحب الحديث في الحديث: نضّر الله امرأً سمع منا حديثاً فحفظه حتى يبلِّغه غيره،……الحديث .
ولف نضر دعاء فاللهم استجب آمين.
وعلى منهج هؤلاء صار الذين بعدهم وبعدهم وبعدهم من بعضهم ومن بعض بعضهم ،حتى أبوا القول إلا بإكراه الوالد ولدَه لسماع الحديث وقالوا أيضا :على الطالب أن يبكر بسماع الحديث الحديث، ولا يهمل الاشتغال به ،ويعلو به النظر ….،وجعلوا شرفا لأصحاب الحديث وكتبوا في الباب ما يسعه ويسع غيره حتى قالوا كذلك :ينبغي للطالب أن يحفظ كتاب الله عز وجل ثم الحديث النبوي الشريف.
والحفظ في الصدور أولا ثم السطور وكلاهما لطالب العلم فيما لمن تولى أمر الدين حفظه في السطور بجميع أوجه العمل والتشجيع والتحفيز وهو موضوع سنفرده بمقال قريبا إن شاء الله .
والآن إلى المحاور ثم توطئة:
1- عناية ملوك المغرب بالحديث النبوي الشريف.
2- عناية علماء المغرب بالحديث النبوي الشريف.
3- مظاهر العناية من خلال الوقوف القصير على المتن العلمي للأحاديث على:
أ- الموطأ
ب- صحيح البخاري
ت- صحيح مسلم
توطئة:
حصل الاتصال الأول بين المغاربة والحديث النبوي الشريف، بدخول موطأ إمامنا مالك رضي الله عنه وهو أول كتاب حديثي دخل المغرب في القرن الثاني الهجري،وهو أول مؤلف في شرائع الإسلام وهو آخرها لأنه لم يؤلف مثله.
لقد اهتم المغاربة بالحديث في هذه الفترة ثم ذاع وانتشر الأمر والخبر والاهتمام بميراث النبي الأمين صاحب الأثر المكين في البدن المتين (شدة المغاربة أول دخول الإسلام إلى بلدهم)،في القرن الثالث الهجري وتوالت الجهود والنتائج إلى يوم الناس هذا، وفاء للعهود فأقبلت على وحي النبي الوفود للعلم والعمل ،وللعلم في مقالنا الحظوة البارزة والمقام الرفيع.
اهتم المغاربة بكتاب الموطأ ثم صحيح البخاري ثم صحيح مسلم ،فعملوا بالموطأ دينا ودنيا لكونه كتاب صاحب مذهبهم ،وعظموا صحيح البخاري ،فختموه وأقاموا له الليالي ذوات العدد وبفضله حصل لهم المدد وسودوا بياضات لحفظه بالصمغ والمداد وفضلوا صحيح مسلم في التبويب على البخاري ذي الطابع الأكاديمي ،فيما صحيح مسلم ذي طابع مدرسي على ما فهمت اللهم فقهنا فيما ضللنا.
1- عناية ملوك المغرب بالحديث النبوي الشريف
تتبعت هذ المحور فخلصت إلى معالم كبرى ،لدى من استقرأ مدونات وكتبا في الحديث عن الحديث من لدن محبي الحديث ،فوصلت أن ذلك يتجلى في:
* إحداث مجالس حديثية واعتبارها منصبا في الدولة يرتقي كرسيه من تتوفر فيه شروط يعينه السلطان بنفسه أو من ينوب عنه للجلوس للتحديث.
* جعل هذه الكراسي الحديثية في المساجد العامرة بالمدن العتيقة وبالمراكز الحضارية المغربية الكبرى ،وبفاس أم لهذه المجالس والكراسي كما توجد بها عدة كراسي للحديث.
* حفظ السلاطين المغاربة للبخاري.
* إنفاقهم أموالا كثيرة للحصول على نسخه.
* إكثارهم من سماع البخاري في مجالسهم.
* تدشينهم قصورهم بسرد وختم البخاري.
* اتخاذهم البخاري شعارا لهم.
* اتخاذهم لهم وردا يسرد في كل مناسبة تبركا .
* جعلهم للبخاري كرسيا خاصا بالقرويين ،بشرح فتح الباري بعد أن وفقهم الباري سبحانه والعمل على ذلك جار وهو للراحل الساري في المجالس وذات السواري.
* عملهم بالموطإ في العبادات والمعاملات والقضاء .
* حملهم الناس على تعلمه وتعليمه.
* جعلهم كتاب حديث عمدة مذهبهم.
* جعلهم الحديث مما يوعظ ويقضى به .
2- عناية علماء المغرب بالحديث النبوي الشريف
كما تتبعت معالم المحور الأول وتجلياته ،تتبعت المحور الثاني فوقت على أن ذلك ينجلي في :
* الرحلة في طلب العلم ،فرحلوا إلى مالك أخذا منه والجلوس إليه فأحبهم وأحبوه وكان يصفهم بالعقلاء والأذكياء، وقد أحصى العادون ما يقارب من 20 تلميذا مغربيا لمالك الإمام .
* روايتهم للموطأ عنه وبدون واسطة والسيد يحيى بن يحيى الليثي صاحب الرواية الأخيرة لمالك قبل وفاته بيسير ،على منهج لجنة مصحف عثمان في العرضة الأخيرة، ثم أُثبت في المصاحف.
وهو ذكاء من المغاربة الموفقين ،هي الرواية المعتمدة في البلاد المغربية إلى اليوم وستظل حتى يقبض هذا الدين وهذا العلم والميراث النبوي.
قال عن هذه الرواية ابن عبد البر سيد علماء المغرب وحافظهم وهو صاحب الأسانيد العوالي تنقيحا للحديث من الكلِم الخوالي: (وإنما اعتدت رواية يحيى بن يحيى لوضعه عند أهل بلدنا من الثقة في الدين).
* رواية عن بعضهم حفظهم للموطأ ظاهرا.
3 – مظاهر العناية من خلال الوقوف القصير على المتن العلمي للأحاديث على:
* الموطأ
* صحيح البخاري
* صحيح مسلم
كذلك وقفنا ونحن نتتبع هذا الاستقراء على:
الحفظ-الشرح-الإقراء-التحشية-التعليقات-الطبع-التحقيق-التدريس-الاختصار-
اهتم بالموطأ ما يقارب من 136 في باب أغراض شتى من قبيل: التقديم والفضل والصحة والشرح
اهتم ما يقارب من 30 عالما مغربيا بصحيح البخاري.
تملك المغاربة لأصح أصل مخطوط لصحيح مسلم، وتوجد بمكتبة القرويين بفاس.
اعتمد المشارقة على ما كتبه المغاربة على صحيح مسلم وهم حوالي 28 على قول وعلى قول 53.
استنتاج وختام:
كل هذا يعني أمرا واحدا، وهو أن المغاربة كان لهم تفوق كبير في صناعة فن التحديث.
هنا يقف بي الحديث عن الحديث ،ولمن شاء منكم الحديث عن الحديث.
فهذا جهدي في الموضوع ولا يعدو أن يكون جمعا من هنا وهناك وفي مقدمة المعتمد من المراجع موقع وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية.
المصدر : https://dinpresse.net/?p=17660