نورالدين الحاتمي
ما الإضافة التي يمكن أن يقدمها موضوع زواج المتعة؟ ولماذا يهتم البعض بالحديث عن هذا النوع من الزواج؟ لماذا الإصرار على المغالطة ؟ هل من الممكن أن تكون المتعة بديلا عن العلاقات غير الشرعية؟
لقد سبق أن تحدث عن زواج المتعة عند أهل السنة عدد من الباحثين العرب المحترمين، أذكر منهم صالح الورداني وفرج فودة، حيث أفرد كل منهما كتابا عن الموضوع، وساقا عدد من الأدلة والشواهد على أن أهل السنة ليسوا مبرئين من الوقوع في هذه الآفة وفي هذا العيب، وليسوا أطهارا كما يدعون.
والواقع أن الذين ينكرون وقوع أهل السنة في هذا [العار] وفي هذا [الشنار] ليس له من العقل مسكة، إذ كتب القوم طافحة بهذا النوع من الفتاوى الموبوءة والفاسدة. غير أن المشكلة هنا أن هؤلاء الباحثين [المحترمين] يقفزون على الحيثيات التي تكتنف المواقف الايجابية من زواج المتعة، ويسكتون عن الدفاعات التي يبرر بها هؤلاء مواقفهم، وهي القضايا الهامة التي تسعف في إضاءة هذه النصوص والفتاوى وقراءتها القراءة الجديرة بها.
يستطيع كل من ألقى نظرة في التراث ـ الذي خلفه أجدادنا ـ أن يلحظ أن مواقف مبيحي زواج المتعة ليس قويا وليس متماسكا، يظهر ذلك من خلال زعمهم أنهم يبيحونه من باب الضرورة والاضطرار كما يباح لحم الخنزير وشرب الخمر، ولا يبيحونه بالأصالة، كما سجل ذلك المرحوم محمد عابد الجابري في تفسيره للقرآن الحكيم، وهو مبرر فاسد وبين فساده، حيث لا يستقيم أبدا أن يكون إشباع الشهوة الجنسية من الضرورة أو الاضطرار في شيء، وإنما هو من نوع الحاجيات، وإنزال الحاجي محل الضروري بدون سند شرعي افتئات على الشرع وتقول عليه.
لا حاجة هنا للتذكير بأن احد كبار فقهاء الأندلس قال ان زواج المتعة من أغرب ما وقع في الشريعة وذلك لعدد مرات إباحته وتحريمه، وكان المرحوم الجابري قد ذهب في تفسيره فهم القران الحكيم إلى انه لا باس بإباحته في ظل هذه الظروف القاسية التي تجعل موضوع زواج الشباب صعبا، ان لم نقل أنه قريب من المستحيل.
في هذا السياق، نحن لسنا معنيين بالذهاب إلى أن أهل السنة مجمعون على حرمته لأن هذا ليس صحيحا، وتاريخ المسلمين شاهد عليه، نحن معنيون هنا بالقول ان هذا الضرب من الزواج إجرام حقيقي في حق المرأة وإهانة لها وعدوان سافر عليها، والذين ينساقون في هذه الاتجاه ويجتهدون لجعله مقبولا في أوساط المجتمع، أما أنهم قاصدون الإيقاع بالنساء والتغرير بهن من خلال إقناعهن أن الرذيلة ليست حراما، وأن الفساد الأخلاقي ـ الذي من هذا النوع ـ ليس عيبا، وأنه لا ينقص من قيمتهن ولا يذهب منها. وإما أنهم لا يرون أبعد من أرنبة أنوفهم، ويصدرون الفتاوى جزافا. ولا يكون اجتهادهم إلا تعبيد الطريق أمام الاستغراق في الشهوات من غير قصد منهم.
المشكل أن الذين يجتهدون فيبيحون العلاقات الفردية أو يتحايلون على ذلك بتذكير الناس بزواج المتعة، لو سئل أحدهم عن قبوله بتزويجه كريمته زواج متعة وكان صادقا لقال انه يرفض ذلك ولا يقبله ولا يرضى أن ينال احد بنته بمثل هذا الزواج. والسؤال ما الفائدة من هذا الاجتهاد إذا كان صاحبه لا يجرؤ عليه؟ ولا أحسب أحدا يقبل بذلك.
أما العلاقات الفردية التي يروج لها التافهون فأمر محسوم حتى في الغرب فمن يقبله منهم إنما يقبله على مضض وكأمر واقع يحميه القانون. ولقد ذكر وحيد الدين خان في كتابه المرأة بين الحضارة الغربية والحضارة الإسلامية أن المتحررات في أمريكا اللواتي يدافعن عن حريتهن في أجسادهن بمجرد تحولهن إلى أمهات يرفض هذه الحرية، ورفض العلاقة الفردية هو عينه رفض للمتعة.
لماذا زواج المتعة؟ والشواهد ـ التي في حوزتنا ـ تقول ان القائلين بجواز هذا الزواج كانوا يتحرجون منه ويدافعون عن مواقفهم بآراء مهزوزة وفاسدة، ـ كتلك التي أورد الجابري شواهد منها في تفسيره ـ مما يعني أن الذين ذهبوا إليها كانوا يجدون في أنفسهم في حرج وضيق يصعب عليهم دفعهما. ما الفرق بين المتعة وبين الزنا؟
لا شك أن الرد هنا سيكون واضحا من قبل من يذهب إلى إباحتها، وهو السؤال المضاد أي هل يعقل أن النبي صلى الله عليه واله وسلم يجيز الزنا؟ ليكون الجواب هنا ـ وبالضرورة ـ أنه [ص] لا يفعل، وحاشاه أن يفعل. ولكن الاعتراض هنا أيضا هو إذا كان زواج المتعة ليس زنا فلماذا منعه النبي ص حتى أصبح أغرب ما وقع في الشريعة؟ كما قالوا.
صحيح أن هناك من يقول أن عمر الفاروق هو من حرمه، ليثور السؤال حول من هو عمر ليحرم ما أحله الإسلام وهو القول الذي لا يمل الشيعة من تكراره. والواقع أنه من المستبعد أن يكون عمر هو من حرمه، لأن الحرام ما حرمه الله ورسوله وهو كذلك إلى يوم القيامة ولا أحد يملك حقا كهذا. ولو صح أن عمر فعله لنقل إلينا اعتراض الصحابة عليه.
إن كون النبي [ص] حرمه ـ كما ينقل العلماء ـ يجعل أمر منعه أمرا محسوما، إذ لو كان من الطيبات لما منعه النبي [ص] أو بالأحرى لما مات [ص] وهو محرم عنده. إن الموقف غير الواضح للشريعة ـ كما يزعم بعضهم ـ لا يمكن أن يكون له إلا تفسير واحد هو الحرمة.
إن زواج المتعة لا يمكن أن يكون من نوع الطيبات أبدا، وبالتالي لا يمكن أن يكون حلالا. بالنسبة إلي لا يختلف زواج المتعة عن الزنا في شيء، فإذا كان الزنا عبارة عن علاقة جنسية خارج إطار الزواج الشرعي المعروف، وكان زواج المتعة عبارة عن زواج مؤقت، فإن الفارق بينهما هو أن هذا الأخير يسمى زواجا للمتعة في حين أن الأول يسمى زنا.
والواقع أن زواج المتعة ـ عند من يذهب إلى إباحته ـ يضمن حق الطفل في النسب، وعلى هذا فإن الدولة اليوم قد تدخلت فتكفلت بهذا الحق وضمنته، فيكون الدفاع عن زواج المتعة دفاعا عن قضية لا معنى لها، وإذا كان الفرق بين الزنا والمتعة هو الاسم فإن هذا ليس في واقع حاله إلا تحايلا على الشرع وتحايلا على الناس. ثم إن زواج المتعة، على الرغم من كونه مما مارسته العرب ومارسه المسلمون في فجر الإسلام، فإن منطق الأفكار هنا يجري عليه ما يجري في الطبيعة من مبدأ الانتخاب والاصطفاء، فالأفكارـ كما الكائنات ـ يجري عليها هذا المبدأ ويحكمها، ولذلك فأن يتخلص منها المجتمع وينتهي منها، فهذا دليل آخر على فسادها وعدم صلاحها. ودعوة بعض المثقفين إليها وإلى إحيائها، وجعلها بديلا عن العلاقات غير الشرعية وحلا لمشاكل الزواج، دعوة سافرة ومغرضة، وهدفها تطبيع المجتمع مع الفساد ومع الزنا، ومحو الحواجز النفسية والأخلاقية بين الناس وبين ما تواضعوا على اعتباره عيبا وإثما وفسادا.
ومما يلفت الانتباه ويجب الوقوف عنده، القول ان علماء السنة أباحوا وأحلوا ما اعتبروه زواجا بنية الطلاق. وقالوا ان القبول بهذا الزواج يجعل القبول بالمتعة أولى، لأن الزواج بنية الطلاق أشنع وأقبح من المتعة، والحال أننا لا نعترض على هذا. فلا شك أن الزواج بنية الطلاق غاية في الإجرام وغاية في الشناعة وعار[ واي عار؟] وشنار[ وأي شنار؟] ولكن القول بحليته من قبل هؤلاء [الفقهاء؟؟؟] لا يجعله كذلك، فإن تبييت نية الغدر هنا واضحة، وبالتالي فلا نتصور أن يقبل بها الإسلام.
إن المنطق الأخلاقي يرفضها ويأباها أي يرفض أن تخطب [ ببناء الفعل للمجهول] بنت للزواج منها بنية تطليقها بعد الدخول والتمتع بها، وهي لا تعرف بل تظن انها تتزوج بنية تأبيد هذا الزواج. إن العلماء الذين أباحوا الزواج بنية الطلاق، أمرهم موكول إلى الله. وهم لم يفعلوا إلا أن أباحوا الغدر الذي يحرمه الشرع الحكيم. ولو اجتمع كل أهل الأرض وزعموا إن هذا الزواج حلال لما عد [ ببناء الفعل للمجهول] شيئا، ولما غير من حقيقة كونه غدرا شيئا.
إن زواج المتعة والزواج بنية الطلاق كلامهما عدوان على كرامة المرأة وتحد سافر للإسلام..
Source : https://dinpresse.net/?p=7137